ليس هناك منتخب واحد في العالم ترافق فيه أمهات اللاعبين أبناءهن إلى الملاعب ويتقاسمن معهم الإقامة في الفنادق نفسها سوى المنتخب المغربي.

ليس هناك أمهات في العالم يطبعن القبل على خدود أبنائهن اللاعبين في المونديال غير الأمهات المغربيات.

أعتقد أن النجوم الحقيقيين للمنتخب في هذا المونديال هم الأمهات المغربيات اللواتي أنجبن هؤلاء الأبطال الذين يرفعون راية المغرب خفاقة في قطر وفي كل البلدان التي يوجد بها مغاربة.

لقد أعطت أمهات اللاعبين صورة مشرفة عن المرأة المغربية التي لا تكف عن احتضان أبنائها حتى وهم رجال، تلك الأم التي تفيض حنانا وخوفا على صغارها مهما بلغوا من العمر.

إنهن صورة مصغرة لكل الأمهات المغربيات الفخورات بأبنائهن المستعدات دائما للوقوف جنبهم في كل الظروف الصعبة والمناسبات السعيدة.

أعتقد أن صورة اللاعبين المغاربة وهم يطبعون القبل على جباه أمهاتهم في ملاعب الدوحة تقدم للعالم إجابة واضحة عن السؤال الذي نسمعه في كل بلدان العالم “لماذا المغربي متعلق بأمه إلى هذه الدرجة؟“.

إنه البحث عن “الرضى”، ذلك الطابع الروحي الذي يطمح للحصول عليه كل ابن وبنت من الوالدة.

وفي الوقت الذي نرى فيه كيف حول بعض نجوم كرة القدم العالميين أمهاتهم وآباءهم إلى “منادجر” يسير حساباتهم المالية وتعاقداتهم وعلاقاتهم المادية، مثل ميسي ورونالدو وغيرهما، نرى كيف يعتبر اللاعبون المغاربة أمهاتهم سندهم الروحي والمعنوي والرمزي الذي يمنحهم القوة والسكينة والقدرة على العطاء.

لقد كان انتصار المنتخب الوطني على المنتخب البلجيكي مناسبة اكتشفنا فيها أننا نحن المغاربة لدينا عطش كبير للفرح.

ولذلك بمجرد ما أطلق الحكم صافرته إيذانا بانتهاء المباراة حتى نزل المغاربة إلى شوارع المدن وساحاتها يرقصون ويهللون فرحا بفوز المنتخب، إنه فرح مستحق.

وسواء في المغرب أو غيره، تبقى كرة القدم رياضة شعبية تمارس سحرا كبيرا على الشعوب، فهي تختزل طموحات الجماهير للنصر، وتعبر عن قيم المنازلة والمبارزة والشجاعة والافتخار، ولذلك فإضعاف المنتخب الوطني يعني تحطيم هذه القيم التي ترتبط بالكرة، مما يخلق لدى الشعب حالة من الانهزامية واحتقار الذات واستصغارها، وهي مشاعر هدامة تسعى الدول إلى محاربتها.

ومن يرى كيف تصرف الدول الأخرى الميزانيات الباهظة في تكوين اللاعبين واقتنائهم لإحراز الانتصارات في الملتقيات الكروية الدولية، يفهم أن المسألة لا تتعلق فقط بإحراز انتصار أو كأس أو بطولة، بقدر ما تتعلق بهدف أساسي وراء ذلك هو تقوية الشعور الوطني ومشاعر الانتماء إلى الوطن والافتخار برايته وبنشيده.

ولعل ما يثير الإعجاب في مشاركة المنتخب في هذا المونديال أن منسوب الشعور الوطني ارتفع خصوصا لدى فئة عمرية كنا نعتقد أنها تعيش في عالمها الخاص داخل شبكات التواصل الاجتماعي معزولة عما يحدث حولها، وهي فئة اليافعين والمراهقين ما بين سن 13 و17 سنة، والذين كانوا أغلبية الجماهير التي تابعت مباريات المنتخب وشجعته في المقاهي.

وقد اندهشت عندما رأيت تلاميذ ليسي ديكارت وبقية تلاميذ البعثات الأجنبية يحجزون مقاعدهم في المقاهي قبل الآخرين لمتابعة مباريات الأسود مرتدين قمصان المنتخب حاملين رايات المغرب صارخين بشعار “ديما مغرب“.

عجيب كيف يمكن لانتصار في مباراة أن يعيد تلحيم التشققات التي يمكن أن تحدث في الشخصية الوطنية والأحاسيس الوطنية، إنه سحر الكرة الغامض الذي يوحد المختلف ويجمع المتفرق.

وعجيب كيف يمكن لانتصار في مباراة أن يكشف للعالم عمق حالة الإنكار التي يعانيها جيراننا في الجزائر.

فحسبهم لا لم يفز المنتخب المغربي على نظيره البلجيكي، ولم يخرج ملايين المغاربة للاحتفال بذلك، كما لم يقفز أمير قطر وابنته وزوجته في المنصة الشرفية فرحا بانتصار المنتخب المغربي.

كل ذلك كان حلما توهمناه وتوهمته معنا كل القنوات الفضائية العالمية ونقلته لمشاهديها في لحظة سهو.

وحدهم جيراننا لديهم الخبر اليقين، وهم من شدة كراهيتهم لنا قفزوا على خبر انتصار منتخبنا في نشرة أخبارهم، وقفزوا فرحا في المقاهي عندما ألغى الحكم هدفا سجلناه ضد البلجيكي في لحظة شرود.

فاللهم كثر حسادنا.

رشيد نيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *