في حالتين معزولتين، وضعت مسألة الحريات وحقوق الإنسان على محك صعب.

الحالة الأولى تتعلق بفشل محاولة الأجهزة الأمنية بمطار اسطنبول التورط في اختطاف الناشط الحقوقي والإعلامي الجزائري المقيم بباريس أنور مالك.

والحالة الثانية، تهم منع فرحات مهني، رئيس حكومة القبائل المقيم بباريس، من الظهور في برنامج حواري بالقناة الفرنسية(سي نيوز).

في الحالة الأولى، كاد أنور مالك أن يدفع حريته بل حياته، ثمنا لمواقفه المناهضة لحكم العسكر بالجزائر، حينما كانت الأجهزة تهم باعتقاله وترحيله إلى الجزائر، دون مبرر ولا سند قانوني، باستثناء أوامر صدرت من حكام الجزائر لإلقاء القبض عليه، في سياق الانتقام منه بسبب مواقفه الجرئية اتجاه النظام العسكري.

حدث ذلك حينما سافر أنور مالك نهاية الأسبوع الماضي إلى تركيا لحضور معرض الكتاب وعقد لقاءات مع المعارضين السوريين.

جرى اعتقاله واحتجازه بمطار استنبول، تحضيرا لاستكمال إجراءات الترحيل.

 ولولا لطف الله والهواتف التي تحركت لكان مصيره اليوم مجهولا.

في الحالة الثانية، وفي بلد الأنوار، وإحدى الديمقراطيات العريقة في أوروبا، رضخت فرنسا لضغوط النظام العسكري، فتدخلت لمنع ظهور فرحات مهني في برنامج بالقناة التلفزية الفرنسية “سي نيوز”.

وشكل هذا الأمر فضيحة في بلد الحريات فرنسا .

الخطير في الأمر أنه في كلتا الحالتين، تبدو مسألة الحريات وحقوق الإنسان هامشية جدا ويمكن التضحية بهما، حفاظا على مصالح اقتصادية آنية.

قد يبدو الأمر أقل سوءا وأكثر استيعابا بالنسبة للحالة التركية التي يُعاني نظامها السياسي من الهشاشة وصعوبة التجذر في سيرورة الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لكن الأمر يختلف بالنسبة لفرنسا، مهد الثورة الفرنسية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تتغنى بشعارات حقوق الإنسان والحريات، وبهذا المنظار تنظر إلى العالم.

فرنسا التي كانت دائما تؤكد على محورية فصل السلط في نظامها السياسي، وكانت  تدافع عن نفسها في وجه الأنظمة الاستبدادية، التي كانت تتهمها بالتدخل في شؤونها، كلما ظهر مقال في صحيفة فرنسية ينتقد الأنظمة المستبدة، فكانت فرنسا ترد بأنها لا تتدخل في سلطة الإعلام.

لكنها أصبحت اليوم تتدخل بشكل صارخ وربما فج في الدوس على حرية التعبير وحرية الصحافة، حفاظا على مصالحها الاقتصادية في زمن البحث عن الغاز.

 مارست فرنسا رقابة فجة من خلال تحريك الهواتف لمنع ظهور فرحات مهني في برنامج حواري على قناة “سي نيوز”.

وعوض أن تبتلع لسانها وتركن إلى الصمت، أصدرت السفارة الفرنسية بالمغرب، عبر حسابها الرسمي بـ”الفايسبوك”،  بلاغا يتضمن شعارا لم تطبقه في حالة الناشط الحقوقي الجزائري “فرحات مهني“.

جاء في البلاغ ما معناه أن فرنسا كانت تقف دوما إلى جانب حرية الصحافة وحرية التعبير في جميع دول العالم وحرية الانتقاد والديموقراطية.

ونفى البلاغ أن تكون السلطات الفرنسية أعطت تعليمات بمنع المعارض الجزائري من المرور في إحدى البرامج التلفزية.

فمن الذي منع، إذن، ظهور مهني في التلفزيون الفرنسي، بعدما ولج الاستوديو، ولم يكن يفصله عن موعد المقابلة سوى دقائق معدودة؟.

  لقد سمى فرحات مهني الأشياء بمسماتيها، ووصف ما حدث له بأنها “رقابة” مورست ضده.

 وقد نشر مقطع فيديوعلى حسابه على تويتر، من داخل مقر قناة “سي نيوز”، يظهر معد ومقدم البرنامج ، وهو يمنعه من ولوج قاعة البث دقائق فقط قبل انطلاق المقابلة.

 ولم تقدم إدارة القناة أي مبرر لإلغاء الحوار مع فرحات مهني.

وكان النظام الحاكم بالجزائر هدد بإلغاء الزيارة المرتقبة لرئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن إلى الجزائر، في حال ظهر فرحات مهني على “سي نيوز”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *