صدر عن مجلس المنافسة، الرأي عدد ر/3/22 بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، وذلك بالنسبة لحالة المحروقات (الغازوال والبنزين).
وتفاعل طيف من الرأي العام والاعلام، مع الرأي بطرق متباينة.
وذهب البعض، الى أن رأي مجلس المنافسة، أصاب في بعض النقط، وجانب الصواب في أخرى.
وهناك من عاب على المجلس، عدم تأسيس عدد من أراءه حول الموضوع على معطيات مؤثرة في تحديد هامش ربح شركات المحروقات كسعر صرف الدولار، عند الإستيراد.
ويرى البعض، أن مجلس المنافسة، برأيه الأخير، وضع حدا لإشاعة كاذبة حول وجود إتفاق بين الفاعلين حول تحديد سعر بيع المحروقات في السوق الداخلي.
للحديث عن رأي مجلس المنافسة، وتحليل ما جاء فيه كان لجريدة Le12.ma، الحوار التالي مع الأستاذ محمد رضا المحلل المالي والاقتصادي.
والبداية من هنا.
حوار-أشرف الحاج
بداية، ما أريك في القراءات المختلفة، لرأي مجلس المنافسة؟
في الحقيقة، النقاش المجتمعي، الذي لا زال يواكب رأي مجلس المنافسة، الأخير، يعكس دينامية المجتمع دولة ومؤسسات، ويكرس الديمقراطية وحرية التعبير والحرص على التنزيل الأمثل للدستور.
وهذا معطى مهم جدا، لأن هناك بجوار المغرب (الجزائر)، من يصدر النفط والغاز، ومواطن بلده يفتقد الى نقاش مجتمعي حر حول عائدات تصدير تلك الثروات ومن تكلم، فمصيره السجن.
لذلك نهنئ بلادنا، على مثل هذا النقاش الذي يتناول بكل حرية وإستقلالية، قضية تهم إستثمارات لشركات خاصة في قطاع المحروقات، برهان الحرص على تكريس المنافسة الشريفة، بما يخدم القدرة الشرائية للمواطنين.
هناك من يرى أن رأي مجلس المنافسة هدم إشاعة وجود اتفاق بين الفاعلين حول تحديد سعر بيع المحروقات في سوق الداخلي وبالتالي مضاعفة الأرباح؟
دعني أوضح، أننا هنا، تناول الموضوع بقراءة إقتصادية وتحليل مالي بقواعد علمية مجردة، ولا نمارس المزايدات السياسية بالموضوع ، وهي المزايدات التي كانت وراء إشاعة وجود اتفاق بين الفاعلين حول تحديد سعر بيع المحروقات في سوق الداخلي وبالتالي مضاعفة الأرباح.
لقد هدم رأي مجلس المنافسة بالفعل، تلك المزاعم، ونفي بطريقة غير مباشرة على سبيل الاستحالة، وجود إتفاق بين الفاعلين بشأن تحديد الأسعار وهوامش الأرباح.
وللدلالة على ذلك يكفي العودة الى الملاحظات الثلاث التالي:
أولا، كون هامش البيع والربح يختلف من فاعل إلى آخر، لذلك لا يمكن أن يكون هناك اتفاق.
ثانيا، تناسب ارتفاع أسعار المحروقات مع نظيره في باقي الدول نظرا لتأثير الأزمة.
ثالثا، هامش الربح ظل ضئيلاً مقارنة ببقية مكونات السعر.
وما يؤكد كذلك، عدم وجود تحالف أو إتفاق بين شركات المحروقات حول تحديد السعر والارباح، أن هامش التوزيع الإجمالي متقلب للغاية مع تأثير منخفض نسبيًا في تحديد سعر البيع عند الضخ.
* في رأيك ما هي الحقيقة التي وقف عندها رأي مجلس المنافسة في هذا الباب؟
لقد أثار رأي المجلس، أن هامش التوزيع الإجمالي يشمل ما حققته شركات التوزيع (بالجملة) ومحطات الوقود (بالتقسيط).
وأضاف أن هامش التوزيع الإجمالي (بالجملة والتقسيط) بين عامي 2018 و2021حوالي 14٪ من سعر بيع الكازوال، و 12٪ من سعر بيع البنزين في محطات الوقود.
وقال إن هامش شركات التوزيع (بالجملة) يمثل 9 إلى 10٪ من سعر البيع للتر الواحد عند الضخ، وأن هامش محطة الوقود، يمثل، 4 إلى 5٪ من سعر البيع للمستهلك النهائي للتر.
والحقيقة، التي وقف عليها رأي المجلس، هي وجود علاقة قوية بين سعر برميل النفط الخام وعروض أسعار المنتجات النفطية التي خضعت للتكرير وأسعار البيع في السوق الوطني خلال عامي 2018 و2019.
لذلك، وكما يتضح من التحليل، فإن الزيادة في أسعار البيع عند الضخ مرتبطة بارتفاع أسعار المنتجات المكررة في السوق الدولية والتي يستوردها المغرب بالكامل من الخارج.
*إذا كانت الشركات لا تتفق فيما ما بينها للتحديد أسعار المحروقات. من يتحكم في ذلك إذن؟
” في الواقع، يتم تحديد هذه الأسعار، إلى حد كبير، انطلاقا من سعر برميل النفط الخام بالدولار الأمريكي، وأي تحليل أو رأي يشتغل على موضوع المحروقات في السوق المغربية، ينبغي أن يأخذ بالإعتبار التأثير الذي تمارسه تقلبات سعر الصرف بالدولار.
والملاحظ أن هذا المعطي المتعلق بتقلبات سوق الصرف بالدولار وعلاقته بسعر شراء المغرب للنفط الخام، أغفله الرأي الصادر أمس الإثنين، عن مجلس المنافسة.
وهو الرأي عدد ر/3/22 بشأن الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، وذلك بالنسبة لحالة المحروقات (الغازوال والبنزين).
وبالعودة الى عامي 2018 و 2019، نرى تسجيل تلك المتغيرات الثلاثة (سعر برميل النفط الخام ، وعروض أسعار الخاصة بالمنتجات المكررة وسعر البيع).
لكن، رغم هذه المعطيات، ثمة من لا يربط تكلفة سعر الوقود النهائي بالمراحل التي تمر منها العملية ككل، ما رأيكم؟
كما سبق أن قلت، تخضع أسعار الوقود في محطات التوزيع لعدة معايير مثل سعر برميل النفط، وسعر صرف العملات المحلية مقابل الدولار، ومستوى مخزون المنتجات البترولية والطلب على النفط.
ولكن قبل كل شيء هوامش التكرير، تكلفة النقل والتوزيع، وكذلك الضرائب التي تفرضها الحكومة.
لذلك من الخطأ القول بضعف الارتباط بين سعر برميل النفط الخام وعروض أسعار المنتجات المكررة وأسعار البيع في السوق الوطني.
وقد ظهر ذلك كما جاء في رأي مجلس المنافسة، خلال عامي 2020 و2021 وكذلك الأشهر الأربعة الأولى من عام 2022.
وهنا وجب التذكير، بأن مجلس المنافسة، كان عليه الأخذ بعين الاعتبار كذلك، العلاقة بين الخام والمكرر بسبب طاقات التكرير.
طيب للتبسيط أكثر ما هي مكونات بنية السعر في رأيك؟
بنية سعر البيع تتكون أساسًا من أسعار شراء الكازوال والبنزين دوليًا والضرائب التي تفرضها الدولة.
ومن هنا، نستنتج من خلال تفصيل سعر بيع الكازوال والبنزين أنه بين عامي 2018 و 2021، يتكون سعر البيع في حالة الكازوال من 51٪ في المتوسط من تكاليف شراء المنتجات المكررة المستوردة و 43٪ في المتوسط للبنزين.
وتبلغ الضرائب، الضريبة على القيمة المضافة و (TIC)حوالي 35٪ في المتوسط من سعر بيع لتر الكازوال و 45٪ للبنزين.
وبالتفصيل، يتم تقسيم تكلفة شراء الكازوال والبنزين بين سعر الشراء المحسوب وفقًا للأسعار المرجعية (Platts FOB)، والتي تمثل أكثر من 95٪ من تركيبتها.
كما أن هناك محور آخر يوضح الهوامش المنخفضة، حيث يتكون السعر أساسًا من سعر الشراء والضرائب.
فمستوى صافي الهامش (الكازوال والبنزين) يتأرجح بين 0.07 درهم / لتر كحد أدنى، و 0.68 درهم / لتر كحد أقصى خلال الفترة 2018-2021
ومن المفيد الإشارة،القول أن صافي الدخل التراكمي خلال الفترة 2018-2021، الناتج عن الشق المتعلق بالكازوال والبنزين من قبل الفاعلين الرائدين السبعة في السوق، يمثل حوالي 63٪ من صافي دخلهم عن جميع الأنشطة مجتمعة (أي 10.7 مليار درهم).
لذلك تتشكل، مبيعات (الكازوال والبنزين) أكثر من 76٪ مما حققه هؤلاء الفاعلين من خلال دمج جميع أنشطتهم.
وهذا يعني أن الشق المتعلقة بأنشطة الوقود (الديزل والبنزين) يسهم بدرجة أقل في ربحية شركات التوزيع مقارنة بالأنشطة الأخرى، وهذا ما أكده رأي مجلس المنافسة.
والملاحظ أن مستويات هامش التوزيع الإجمالي الخام، إرتفعت في عامي 2020 و2021، وهي الفترة التي شهدت انخفاضًا في أسعار النفط الخام وأسعار المنتجات المكررة دوليًا.
كما إرتفعت عامي 2020 و2021، هوامش شركات التوزيع بشكل حاد، متجاوزة في 2020 عتبة 1 درهم / لتر لجميع الفاعلين.
في الواقع، لقد تجاوزت هذه الهوامش 1.25 درهم / لتر للفاعلين الرئيسيين الثلاثة في السوق (افريقيا، طوطال Afriquia SMDC و TotalEnergies Marketing Maroc و Vivo Energy Maroc) .
ووصلت حتى 1.40 درهم / لتر لشركة Vivo Energy Maroc ، أي ما يقرب من 15 ٪ من سعر بيع واحد ( 1) لتر من الديزل مقابل متوسط 9٪ فقط للفترة 2018-2021.
محور آخر يوضح الهوامش المنخفضة؛ وهي أن السعر يتكون أساسًا من سعر الشراء والضرائب (الجملة والتقسيط) حوالي 14٪ من سعر بيع الكازوال و 12٪ من البنزين في محطات الوقود.
بالإضافة إلى أن هامش شركات التوزيع (الجملة) يمثل 9 إلى 10٪ من سعر البيع عند الضخ للتر الواحد.
ماهي خلاصات قراءاتكم لرأي مجلس المنافسة؟
الخلاصة الأولى، هي أنه بهذا الرأي كرس دولة المؤسسات وإستقلاليتها في الاضطلاع بمهامها.
ثانيا، قدم رأيا إستشاريا، يمكن للحكومة، الاعتماد على بعض ملاحظاته في سن إصلاحات قانونية وجبائية.
ثالثا، حث على تنافسية القطاع، وحماية الاستثمار في المغرب والقدرة الشرائية للمواطنين.
رابعا، حطم، إشاعة إحتكار فاعل في القطاع لسوق المحروقات.
خامسا، كشف بجلاء حقيقة أن هناك علاقة ترابطية قوية بين أسعار برميل النفط الخام وعروض أسعار المنتجات المكررة وأسعار البيع في السوق الوطنية خاصة خلال سنتي 2018 و2019.
سادسا، جدد التأكيد، أن سوق المحروقات تعتمد كليا على الواردات الخارجية وتتزايد أحجامها باستمرار.
سابعا، أكد أن مستوى هامش ربح صافي (الغازوال والبنزين) تأرجح ما بين 0,07 درهم للتر كحد أدنى و0,68 درهم للتر كحد أقصى خلال الفترة المعنية (2018 – 2021).
ثامنا، سجل نسبة تركيز عالية في أسواق الاستيراد والتخزين الذي يظل مستواه بشكل عام أقل من السقف المنصوص عليها في المقتضيات التنظيمية.
تاسعا، أكد أن دور مصفاة، لاسامير غير حاسم في مواكبة ارتفاع تقلبات أسعار المحروقات.
عاشرا، أكد من خلال الجدول رقم 21 الوارد في الصفحة 72، من رأي مجلس المنافسة، أن أعلى معدلات الربح، حققتها شركتي طوطال و وينكسون، فيما حققت شركة إفريقيا أدنى معدل ربح صافي.
* محمد رضا حميدي محلل مالي واقتصادي