بوصول فراتيلي دي ميلوني، زعيمة حزب أقصى اليمين المتطرف ذي الجذور الفاشية إلى السلطة في روما، يكون مغاربة  إيطاليا أمام تحدي سنوات صعبة.

لقد هددت زعيمة هذا الحزب خلال حملتها الانتخابية، باتخاذ إجراءات صارمة تجاه الهجرة والمهاجرين.

كما توعدت بوصول حزبها الى السلطة الذي غاب عنها منذ عام 1945، بمراجعة العديد من الامتيازات الممنوحة للمهاجرين، ومنها “الشوماج”، وما يسمى ب Reddito di cittadinanza.

التفاصيل في هذا التقرير.

أعلنت زعيمة حزب أقصى اليمين الإيطالي “فراتيلي ديتاليا” (إخوة إيطاليا) جورجيا ميلوني، الاثنين، أنها ستترأس الحكومة الإيطالية المقبلة، وذلك بعد أن حقق حزبها أعلى نسبة أصوات في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد، الأحد.

وقالت ميلوني: “سنحكم لجميع” الإيطاليين، مضيفة أن “الشعب الإيطالي اختارنا، ولن نخون هذه الثقة”.

وتابعت: “بإمكان الشعب الإيطالي أخيراً الحصول على حكومة وفق تطلعاته”، مؤكدة أن حكومتها المقبلة “ستحكم الإيطاليين جميعاً، وستعمل على جمعهم وليس تفرقتهم”.

وحقق “إحوة إيطاليا” أعلى نسبة أصوات بالانتخابات التشريعية (24.6%)، وفق نتائج أولية، في حدث غير مسبوق منذ العام 1945، إذ ستُتاح لهذا الحزب الذي تعود جذوره إلى الفاشية الجديدة، فرصة حكم البلاد للمرة الأولى منذ عام 1945. 

وحاز التحالف اليميني الذي يضم إضافة إلى حزب ميلوني، حزبا “الرابطة” (8.5%) بقيادة ماتيو سالفيني، و”فورزا إيطاليا” بزعامة سيلفيو برلسكوني (8%)، على أغلبية الأصوات بنسبة وصلت إلى 42.2%، وهو ما يكفي لضمان السيطرة على مجلسي البرلمان.

وإذا ما تأكدت هذه النتائج، فإن حزب “إخوة إيطاليا” و”الرابطة” سيكونان قد حصلا معاً على “أعلى نسبة من الأصوات التي سجلتها أحزاب أقصى اليمين على الإطلاق في تاريخ أوروبا الغربية منذ عام 1945 إلى اليوم”، بحسب “المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية”.

أما الحزب الديمقراطي بقيادة إنريكو ليتّا، فحاز على 19.4% من الأصوات. واعترف الحزب الذي يمثل يسار الوسط، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، بهزيمته في الانتخابات العامة، متعهداً بأن يكون أكبر قوة معارضة في البرلمان المقبل.

وقالت ديبورا سيراتشياني، البرلمانية البارز في الحزب الديمقراطي، للصحافيين في أول تعليق رسمي للحزب على النتيجة إن “هذه أمسية حزينة للبلاد. (اليمين) له الأغلبية في البرلمان لكن ليس في البلاد”.

وحاز حزب “حركة 5 نجوم” على 16.5% من الأصوات.

ويمنح القانون الانتخابي الإيطالي الأفضلية للجماعات التي تمكنت من إبرام اتفاقيات ما قبل الاقتراع، مما يمنحها عدداً ضخماً من المقاعد، مقارنة بعدد أصواتها. ومن المتوقع ظهور النتائج الكاملة في وقت مبكر الاثنين.

وكانت آخر استطلاعات للرأي نشرت منذ أسبوعين، أشارت إلى أن تحالفاً يمينياً بقيادة حزب “إخوة إيطاليا” في طريقه لتحقيق انتصار.

وبدأ التصويت في الساعة السابعة صباحاً (05:00 بتوقيت جرينتش) واستمر حتى الساعة 11 مساء (21:00 بتوقيت جرينتش).

مشاركة منخفضة

سُجّلت نسبة مشاركة منخفضة في الانتخابات الإيطالية، وبحسب وزارة الداخلية، بلغت نسبة الاقتراع 50% بحلول الساعة 17:00 بتوقيت جرينتش، بتراجع ثماني نقاط بالنسبة للانتخابات التشريعية في عام 2018.

وكان التراجع ملحوظاً بشكل خاص في المناطق الجنوبية (-12 نقطة)، التي ساهمت بشكل كبير في انتصار حركة “5 نجوم” الشعبوية قبل أربع سنوات، وهي تشكيل مناهض للنظام.

وفي حال تأكدت توقعات صدارة الائتلاف اليميني بزعامة حزب “فراتيلي ديتاليا” (إخوة إيطاليا) من الفاشيين الجدد، من المرجح أن تتولى زعيمته جورجيا ميلوني (45 عاماً) رئاسة حكومة ائتلافية تكون الهيمنة فيها لأقصى اليمين على حساب اليمين التقليدي.

وسيشكل ذلك زلزالاً حقيقياً في إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، وكذلك في الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر إلى التعامل مع السياسيّة المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، المقرب بدوره من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وكتبت ميلوني صباح الأحد على “تويتر” متوجهة إلى أنصارها: “اليوم، يمكنكم المساهمة في كتابة التاريخ”.

وأضافت “في أوروبا، إنهم قلقون جميعاً لرؤية ميلوني في الحكومة.. انتهى العيد. ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية”.

قد يشكل الفوز صعوداً مذهلاً لميلوني، التي لم يفز حزبها سوى بـ4% من الأصوات في الانتخابات العامة السابقة في 2018.

وتهوّن ميلوني من جذور حزبها الذي يعود لفترة ما بعد الفاشية، وتصوره على أنه جماعة محافظة تقليدية. وتعهدت بدعم السياسة الغربية بشأن أوكرانيا، وعدم اتخاذ أي إجراءات قد تنطوي على مخاطر لا مبرر لها مع اقتصاد تضرر بشدة من ارتفاع الأسعار.

ونجحت ميلوني المعجبة سابقاً ببينيتو موسوليني، والتي ترفع شعار “الله الوطن العائلة”، في جعل حزبها مقبولاً كقوة سياسية، وطرح المسائل التي تحاكي استياء مواطنيها وإحباطهم، وذلك من خلال بقائها في صفوف المعارضة، في حين أيدت الأحزاب الأخرى حكومة الوحدة الوطنية بزعامة ماريو دراجي.

تحديات الحكومة

وأياً تكن الحكومة التي ستنبثق من الانتخابات لتتولى مهامها اعتباراً من نهاية أكتوبر، فهي تواجه منذ الآن عقبات على طريقها.

فسيتحتم عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحاد في الأسعار، في وقت تواجه إيطاليا ديناً يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، وهو أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان.

وفي هذا السياق، إيطاليا بحاجة ماسة لاستمرار المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد وباء كورونا، والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها، وبفارق كبير عن الدول الأخرى.

وأوضح المؤرخ مارك لازار لوكالة “فرانس برس”: “لا يمكن لإيطاليا أن تسمح لنفسها بالاستغناء عن هذه المبالغ المالية”، معتبراً أن “هامش التحرك أمام ميلوني محدود جداً” على الصعيد الاقتصادي. 

في المقابل، بإمكانها الوقوف في صف وارسو وبودابست في معركتهما مع بروكسل “بشأن مسائل الدفاع عن المصلحة الوطنية بوجه المصالح الأوروبية”.

ومثلما فعلت قبلها زعيمة أقصى اليمين الفرنسي مارين لوبن، تخلت جورجيا ميلوني في نهاية المطاف عن مشروعها القاضي بالخروج من اليورو، لكنها تطالب بـ”مراجعة قواعد ميثاق الاستقرار” المعلقة بسبب الأزمة الصحية، والتي تحدد سقف العجز في ميزانية الدول وديونها بـ3% و60% على التوالي من إجمالي ناتجها المحلي.

وفي المسائل الاجتماعية، تعتمد ميلوني المتحدرة من روما مواقف محافظة، قالت في يونيو: “نعم للعائلة الطبيعية، لا للوبي مجتمع الميم-عين! نعم للهويّة الجنسية، لا لإيديولوجيا النوع الاجتماعي”.

مصير المهاجرين

وسيؤدي وصولها إلى السلطة أيضاً إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنوياً عشرات آلاف المهاجرين الذين يعبرون البحر في مراكب متداعية، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تغيثهم سراً. 

من جهته، قال رئيس حزب “الرابطة” المناهض للمهاجرين ماتيو سالفيني لصحافيين أثناء توجهه للتصويت: “ألعب لأفوز، لا لأشارك”، مؤكداً أن حزبه سيكون “على منصة الفائزين: الأول أو الثاني وفي أسوأ الأحوال الثالث”.

وأضاف سالفيني، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في حكومة جوزيبي كونتي (2018-2019) “أتطلع إلى العودة من الغد إلى حكومة هذا البلد الاستثنائي”.

ويتفق الخبراء منذ الآن على أن مثل هذا الائتلاف الحكومي، الذي ستواجه فيه ميلوني تحدياً حقيقياً في التعامل مع حلفاء مربكين سواء سيلفيو برلوسكوني أو ماتيو سالفيني، لن يستمر طويلاً في بلد معروف بافتقاره إلى الاستقرار الحكومي.

وجاءت الانتخابات الحالية، وهي الأولى التي تجري في الخريف في إيطاليا منذ نحو قرن، بسبب خلافات سياسية بين الأحزاب أدت للإطاحة بحكومة وحدة وطنية موسعة بقيادة ماريو دراجي في يوليو.

ولإيطاليا تاريخ طويل مع الاضطرابات السياسية، ومن سيشغل منصب رئيس الوزراء المقبل سيرأس الحكومة رقم 68 منذ 1946.

وتترقب العواصم الأوروبية وأسواق المال نتائج الانتخابات الإيطالية بقلق. ويشعر قادة الاتحاد الأوروبي، الحريصون على الوحدة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، بالقلق من أن تكون إيطاليا شريكاً لا يمكن التنبؤ بأفعاله.

وبالنسبة للأسواق، هناك مخاوف دائمة بشأن قدرة إيطاليا على إدارة الديون المتراكمة التي تصل إلى نحو 150% من الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر: الشرق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *