بعد كل هذه السنوات، تفتخر عائشة الشنا بالوليد الذي احتضنته من خلال هذه التجربة : لقد غدا طبيبا اليوم .

عائشة الشنا ، الزوجة والأم والجدة، الفخورة بمغربيتها، جابت مختلف بلدان وقارات العالم، مما جعلها تغني تجربتها الكونية عن العمل التضامني. يقول الكاتب محمد ايعزة.

كل ذلك، للدفاع في المغرب عن أمهات تركتهن الحياة وحيدات أمام مسؤولية الحمل والإنجاب بالإضافة الى معركتها الشخصية لمواجهة داء السرطان

اعتُبِر كتابها – Miseria “ميزيريا” (Best-seller) حقيقي صدر في سبع طبعات، حتى أن الراحلة الكبيرة فاطمة المرنيسي لم تُخفِ إعجابها به قائلة :

  ” أخاف عائشة الشنا لأنني وأنا أقرأ كتابها انتبهت إلى أن انشغالي الأهم وأنا أكتب هو كيف أغوي قارئي وأنال إعجابه، فيما الشنا تكتب لتزعج وتثير الأعصاب، ولتزجّ بنا وسط مغرب الحقائق المريعة التي لا تُحتَمل “.

 كتاب «ميزريا» تحكي فيه الشنا قصصا مؤثرة لعشرات الضحايا.

 خادمات صغيرات السن وأطفال الشوارع أهملهم آباؤهم، وولوا إلى غير رجعة.. تتشابه الحكايات وتتغير فقط الأماكن والأسماء.

تتحمل جمعية التضامن النسوي مسؤولية رعاية الأمهات العازبات وتخفف عنهن معاناتهن وتساعدهن في الاندماج داخل محيطهن.

ترفض الشنا أن يصف الآخرون هؤلاء الضحايا بألقاب أخلاقية منحطة، وتركز على البعد الإنساني في هذه القضية بقلب كريم حاضر للحب، لتكون النتيجة مذهلة للغاية.

“الجميع يعتبرها أُماً ثانية كرست وقتها وجهدها للدفاع عن فتيات غدر بهن الزمن”، يقول محمد إيعزة.

لقد كانت تجربة عائشة الشنا، مهلمة، لذلك كان حياتها محط بورتريها رسمت بأقلام الصدق والوفاء.

 إخترنا من بينها بروفيل للزميل سعيد نافع سبق أن نشرته الاحداث المغربية، ننشره لكل غاية مفيدة.

سنة قبل تأسيس منظمة ‘‘التضامن النسوي ‘‘في العام 1985، كان للقدر نصيبه في توجيه خطى عائشة الشنا إلى تبني هذا المشروع.

 لقد عاشت تجربة إنسانية مغرقة في كل معاني التراجيدية الوجودية التي ترزح تحتها الأم العازبة.

 في صيف ذلك العام 1981، التقت عائشة الشنا بشابة في ال18 حامل دون أن تكون متزوجة.

عائلة المعنية بالأمر، و والدتها تحديدا، قررا رميها في الشارع درءا ‘‘ للعار ‘‘ على شرط العودة للبيت في حال التخلص من الجنين.

الشابة قصدت مقر مؤسسة التخطيط العائلي بعد أن ضاقت بها كل السبل، وهناك ستلتقي بعائشة الشنا.

 أمام هذا الواقع المرير، قررت الشنا مواجهة والدي الشابة من أجل إقناعهم بإيجاد وسيلة لمساعدة الإبنة على تجاوز هذا الوضع.

في أول لقاء مع الأسرة، اصطحبت عائشة الشنا معها المساعدة الاجتماعية ‘‘ ماري جان تانتوريي ‘‘، وفيه أيضا اكتشفت الشنا تناقضا شديدا في ردود فعل الوالدين.

الأم  القاسية

 فبينما كانت الأم قاسية في الحكم على ابنتها، أظهر الوالد دفقا من الأحاسيس تجاه ابنته.

 وبقدر ما أثار رد فعل الوالد انتباه الشنا حول طبيعة الأبعاد الإنسانية الكامنة في الآباء، المفترض رفضهم لحمل بناتهم خارج مؤسسة الزواج، بقدر ما أعطاها أملا في إمكانية احتضان من سقطن في ‘‘ ورطة ‘‘ الحمل غير الشرعي ، اجتماعيا وإنسانيا.

بعد كل هذه السنوات، تفتخر عائشة الشنا بالوليد الذي احتضنته من خلال هذه التجربة : لقد غدا طبيبا اليوم .

بعد 56 سنة من الالتزام بقضايا المرأة والطفل، تعتبر عائشة الشنا وجها نضاليا مشرقا في تاريخ المغرب الحديث.

 بالكثير من الشجاعة والتواضع، تبنت عائشة الشنا على امتداد سنوات عمرها موضوعا ظل إلى وقت قريب طابوها محرما في عرف شرائح واسعة من المجتمع المغربي.

 وبالقدر نفسه من الوعي والعقلانية، لا تصنف هذه السيدة التي تعتبر نموذجا حيا لكل المغربيات نفسها كناشطة نسائية بل مناضلة ‘‘ إنسانية ‘‘ لأن عمق عملها يمتح مشروعيته في حلمها بإقامة مجتمعات عادلة بغض النظر عن اختلاف الثقافات والحدود، ليس في المغرب فحسب بل في كل العالم .

ولدت عائشة الشنا في المدينة القديمة للدار البيضاء نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، وعاشت ما تبقى من طفولتها في مراكش.

 عادت للدار البيضاء في العام 1953 وأكملت دراستها الثانوية في مؤسسة ‘‘ فوش اي جوفر ‘‘ التعليمية.

سنة 1960 شرعت في التدريب على مهنة التمريض بالمدرسة الوطنية للتمريض  في الفترة بين 1962 و 1980 انخرطت في القطاع العام كمساعدة اجتماعية. سنة 1972 التحقت عائشة بالاتحاد النسائي العام في الدار البيضاء .

 يتم من جهة الاب

يتمها من جهة الأب في سنوات الطفولة الأولى جعلها تشعر بوقع التضامن الأسري.

 وهو ما جاهدت طيلة عمرها لمنحه لكل من تتبناهم الحمعيات والمؤسسات الخيرية التي أشرفت عليها أو عملت فيها.

عن سن السادسة عشرة انخرطت الشنا في العديد من المؤسسات الخيرية والجمعوية : جمعية مساعدة مرضى السل والجذري، عصبة حماية الطفولة، الجمعية المغربية للتخطيط العائلي.

 الحس الإنساني الدافق في شخصيتها سيدفعها لامتهان التمريض الطبي والتنشيط في برامج التأهيل الصحي المدرسي.

في هذه الأوساط، تفتقت عيناها على الواقع المرير للأطفال المتخلى عنهم أو المنحدرين من تجارب حمل غير شرعية، وقساوة الحياة التي ترزح تحتها الأمهات العازبات.
في مناطق حضرية وقروية عديدة اكتشفت الشنا ما تسميه ‘‘ بيوت الأطفال المتخلى عنهم‘‘ : براريك أو غرف تفتقر لأدنى شروط العيش حيث درجت أمهات عازبات على وضع صغارهن بشكل جماعي، يموت أغلبهم قبل سن الرابعة، فيما يرسل الآخرون إلى الخيريات .

استفادت عائشة الشنا من تجربتها الميدانية الحافلة بالأحداث والوقائع مع المساعدة الاجتماعية الفرنسية ‘‘ جان ماري تانتوريي‘‘ التي لقنتها مبادئ العمل الاجتماعي على أصوله، بفضل احتكاكهما الدائم منذ العام 1981، أربعة سنوات كاملة قبل إنشاء مؤسسة التضامن النسوي.

كانت تعي في تلك الفترة أنها تضع يديها على موضوع حساس يعتبر من الطابوهات الكبير، بالنظر لطبيعة عقلية شرائح اجتماعية واسعة من الشعب المغربي الرافض أساسا لمناقشة فكرة الحمل خارج مؤسسة الزواج.

تعترف عائشة بعد كل هذه السنوات أنها لم تكن على وعي حقيقي بحجم المشكل الذي تنوي تبنيه في نضالها الاجتماعي.

قيمة العمل الكبير للسيدة الشنا، يكمن في الطبيعة المتعددة لأوجه مساعدة الأم العازبة لمواجهة قساوة الحياة والمجتمع.

‘‘يجب مساعدتها على إعادة بناء نفسها، ورد الاعتبار لوجودها وكيانها، ثم العمل على إعادة الرابط الطبيعي بين الأم والطفل وعائلتها، ثم البحث عن مكان للعيش أو الإيواء، ثم تأهيلها للعمل والإنتاج لإعالة نفسها ‘‘تجمل عائشة الشنا.

ولأن مسيرة نضال متفرد وناجح كالذي تبنته الشنا في حياتها يثير الكثير من ردود الفعل المختلفة، فإن التزامها بقضايا هذا الفئة المنسية من الشعب المغربي جر عليها الكثير من الانتقادات.

 الكثيرون ربطوا ظلما بين نضالها الإنساني الكبير والدفاع عن الانحلال أو الدعارة بل منهم ما اتهمها بأنها المدافعة الأولى عن الجنس المفتوح في البلاد.

أدهى من ذلك، انتهى الأمر بالتيارات الظلامية إلى الدفع باتجاه إصدار فتوى شرعية تحل سفك دمها، ما حول حياتها إلى لحظات رعب حقيقية، لم يخرجها منها سوى الالتفاف الإعلامي حول قضيتها، التي فتحت لها أبواب العناية الملكية من جلالة الملك محمد السادس شخصيا، الذي ساهم في مالية الجمعية بمبلغ مليون درهم .

شجاعة الشنا وتماسك مواقفها وثباتها على الالتزام بهذه القضايا فتحت أمامها أبواب الاعتراف الوطني والدولي.

حازت في العام 1995 على وسام الاستحقاق في حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية، وجائزة الأطلس ثلاث سنوات بعد ذلك.

ثم قلدها جلالة الملك محمد السادس بالميدالية الفخرية سنة 2000 ، ثم جائزة اليزابيث نوركال سنة 2005 .

سنة 2009 حازت عائشة الشنا على الجائزة الدولية ‘‘ أوبوس ‘‘ عن جهودها في إعادة الاعتبار للأمهات العازبات ونضالها الطويل لتمكينهم من حياة مشرفة وطبيعية، ومن خلالهم الدفاع عن قضايا النساء ضد الجهل والأمية والفقر والجوع والمرض وغياب العدالة.

الجهة المانحة للجائزة منحت جمعية عائشة الشنا مبلغ مليون دولار كمساعدة من أجل استكمال المشوار وتبني مشاريع وأفكار جديدة .

عائشة الشنا امرأة مغربية نادرة ومناضلة حقيقية وهبت حياتها لأكثر فئات المجتمع حرمانا وهشاشة.

تواريخ مهمة :

1949 : الولادة بالمدينة القديمة بالدارالبيضاء

1960 : ممارسة التمريض

1962 – 1980 : مساعدة اجتماعية في القطاع العام وممرضة وناشطة في التربية الصحية المدرسية

1972 : الالتحاق بالاتحاد النسائي المغربي العام

1985 : تأسيس منظمة التضامن النسوي

1995 : وسام الاستحقاق من الجمهورية الفرنسية

2000 : الميدالية الفخرية من جلالة الملك محمد السادس

2009 : جائزة أوبوس عن مسيرتها النضالية الكاملة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *