استوقفتني صورة جميلة لمواطنة بريطانية تقبل يد جلالة الملك تشالز الثالث، و فيها تعابير حب تلقائي من مواطنة لملكها الجديد و ابن ملكتها الراحلة. 

وتساءلت، كيف يا ترى سيتلقى جيراننا تلك الصورة التي تتكرر في شوارع لندن، عاصمة مملكة عريقة هي المملكة البريطانية؟ 

هل سيعتبر جيراننا أن “بوسان اليدين” البريطاني يستحق حملة هوجاء في وسائل إعلامهم و مواقعهم الإلكترونية، لسب و شتم البريطانيين و التشهير بملكهم الجديد، و اتهامهم بممارسة “العبودية” و “الخضوع لغير الله” ؟ أم أن القوم ليست لهم تلك الشجاعة، و لا قبل لهم على مواجهة تناقضاتهم الفكرية، و أن ما يكتبونه من كلام رديء و مسموم، هو موجه بشكل حصري للنيل من المغرب و تشويه صورة المغاربة عبر استغلال أي شيء، معتقدين أنهم بذلك يسيئون إلينا، أو يمكن أن يؤثروا على نفسيتنا و قناعاتنا كمغاربة؟.

وهنا لابد أن أستحضر التعاليق الحقيرة التي ينشرها جيراننا حولنا عما يعتبرونه “بوسان اليدين”، أي تقبيل المغاربة ليد ملكهم، و الحديث عن “ركوع” المغاربة لغير الله، و يقصدون انحناءنا أمام الملك حين يحضى أي مغربي بشرف الوقوف بين يدي جلالته أو ملاقاته و السلام عليه في سياقات مختلفة. 

و قد سبق لي أن تجادلت حول هذه الأعراف، مع بعض المتفاعلين الجزائريين الذين يبحثون عن فهم الأمور بشكل سليم، و لو أنهم قلة مقارنة بالكم الكبير من الغوغائيين الذين لا يستطيعون استيعاب دلالات الأعراف و التقاليد المرعية و “الترابي” (من التربية) عند أبناء الأمة المغربية. 

و لأن التهجمات حول هذه الجوانب تتكرر كثيرا في كل تعليقات الجيران، أريد في هذا المقال أن أقف لبيان الأمور بشكل أوضح لمن كان لهم قلب سليم. 

في هذا الإطار، ما يتعين على الجيران فهمه، هو أننا لسنا في باب ركوع الصلاة و سجود المصلين الذي يؤديه المغاربة في صلواتهم و هم واقفين بين يدي الله الواحد الأحد. كما يفعل ذلك جلالة الملك أمير المؤمنين حين يؤدي صلواته و يقف بين يدي ربه سبحانه و يركع له و يسجد، كما كان أجداده من آل البيت الطيبين الطاهرين يفعلون، امتداد إلى الدوحة النبوية الشريفة. و ظني أن المؤمنين الصلحاء من علماء و أبناء الجزائر يفعلون ذلك هم أيضا. و ما يسميه أعداءنا “ركوعا” بين يدي جلالة الملك، إنما هو انحناءة إرادية نقوم بها تعبيرا عن تقديرنا لجلالته و توقيرا لمقامه الشريف، لا يفرضها علينا أحد و لا يلزمنا بها أحد. نحن من نصر، حين يحضى أي منا بشرف الوقوف بين يدي الملك أو بلقائه في سياق ما، أن نسلم عليه بتقبيل يد جلالته حبا و فرحا بلقائه، دون أن يكون ذلك مفروضا و لا مطلوبا. و في غالب الأحيان، يسحب الملك يده تقديرا لأبناء شعبه و استحياء منهم، و رغم ذلك نصر على عرف تاريخي يقاس بالقرون، في تناسق أخلاقي مع ما نقوم به مع آبائنا حين نقبل أيديهم حبا و احتراما، و مع شيوخنا و كبارنا سنا و قدرا حين نقبل أيديهم مودة و توقيرا، و مع علمائنا و فقهائنا الأجلاء حين نقبل أيديهم توقيرا و تقديرا. 

هي أعراف مرعية تضبط علاقاتنا الاجتماعية، و لم يسبق أن حملت، في يوم من الأيام،  أية دلالة أخرى غير المودة و التقدير والتوقير. فماذا عسانا نقول لمن طبع الله على قلوبهم حتى حرفوا وعيهم الاجتماعي، و أصبح همهم الوحيد هو التهجم على المغاربة بسبب ما لا يفهمونه عنهم، و ما لا يستطيعون إدراك معانيه في أفعالهم …؟؟ و كيف يمكن أن نشرح لمن ليس لهم عمق حضاري و لا رسوخ تاريخي، بأن تقبيل يد ملكنا، إذا سمح جلالته بذلك لمن يقف أمامه، هو تجسيد لحب و تقدير لمكانة الملك، أمير المؤمنين، بما له من رمزية دينية في وجدان أبناء الشعب المغربي ؟؟ 

كيف نشرح لمن لا ذاكرة لهم، أن جلالة الملك محمد السادس، حين كان وليا للعهد، كان يسلم على جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، بتقبيل يده و الانحناء أمامه. كما كان المغفور له الملك الحسن الثاني حين كان وليا للعهد، يسلم على والده السلطان محمد الخامس، طيب الله ثراه، بتقبيل يده و الانحناء أمامه؟؟ و كيف أشرح لجيراننا أن قادة المقاومة و جيش التحرير الجزائري، حين كانوا يلتقون بالمغفور له السلطان محمد الخامس، كانوا ينحنون أمامه انحناءة كبيرة فيها توقير و تقدير لمقامه، و لم يكونوا يجدون في ذلك أي حرج، و لا كان يقلل ذلك في شيء من قيمتهم و احترامهم لأنفسهم و احترامنا لهم؟؟ أم أن هنالك من بين جزائريي 2022، من يستطيع المزايدة على المرحوم فرحات عباس و مجايليه المجاهدين، في قدرهم و قيمتهم و وطنيتهم و شرفهم و كرامتهم ؟؟

كيف نفسر لجيراننا أن علماءنا و فقهاءنا، و رموز العمل السياسي الكبار في تاريخنا السياسي و الوطني، الذين لا يمكن لأحد أن يشكك في قيمتهم و في قدرهم، و لا في مستوى وعيهم السياسي و قناعاتهم الديمقراطية، كانوا يبادرون للسلام على ملوك المغرب، بانحناءة توقير و يقبلون أيديهم حبا و مودة و تقديرا ؟؟

و كيف نبين لمن تشكل وعيهم السياسي في ظل نظام جمهوري غير ديمقراطي، استولى فيه العساكر على الحكم بالانقلاب، و سيطروا على دواليب الدولة، و أفسدوا الممارسة السياسية و الحياة الحزبية، و خربوا منظومة الوعي الديني و الثقافي و الإعلامي و التربوي للمواطنين، أن الروابط بين أبناء الشعب و الملك، في ظل نظام ملكي دستوري مغربي له شرعية تاريخية و دينية و سياسية، هي روابط متعددة الأبعاد و لها أسس قيمية تكتسي عمقا أكبر بكثير مما يمكن أن تستوعبه عقول تفكر بشكل غير موضوعي، و قلوب حقودة تنشر الشر؟؟

على أية حال، هذه توضيحات ارتأيت كتابتها و نشرها، و لا يهمني أن يفهمها جميع من يعنيهم الأمر، تماما كما لا يهمني ما يقولوه عنا أناس غلب عليهم غباءهم حتى صاروا غارقين في مستنقع التفاهة. و أكيد لا يعنيني ما يفكر فيه بخصوصنا، أعداءنا ولا ما ينشرونه عنا، إلا في حدود ما يفرضه واجب الرد على انحرافاتهم، في إطار اليقظة الوطنية أمام أعداء الأمة المغربية. 

على بعض جيراننا أن يستوعبوا، إذا سمح بؤس وعيهم السياسي المختل، أننا مقتنعون بأنه من نعم الله علينا أن لنا ملك بيعته في أعناقنا، بيعة شرعية ثابتة. و أننا سنستمر ننحني باحترام و توقير أمامه، و سنقبل يده بحب و ولاء صادق، و بالدارجة “كييت اللي ما لقى و لو شبه رمز صغير، يواليه و يفتخر به … !!”

لا شك أن حقد الخصوم فات الحد، و أصبح لزاما أن نتحرك بمنطق من فرضت عليه حرب لا يمكنه الهروب منها. و لأن الحرب ليست كلها بالسلاح، هنالك مجالات كثيرة يمكن أن نجسد من خلالها قتالية عالية، و نطور أساليب دفاعنا عن وطننا و رموزنا و مؤسسات دولتنا و أبناء شعبنا. و لي عودة مقبلة للموضوع، لتفصيل ما أقصده. 

في الانتظار، رأيي أن علينا أن نجعل المتربصين ينفجرون غضبا و هم يستمعون لنا و نحن نقول بصوت عالي : عاش المغرب، وعاش جلالة الملك، وعاش الشعب المغربي الوطني الأصيل والغيور على ثوابته و على مصالح بلاده، و لا عاش المتخاذلون والخونة. و كل يوم و وطننا الغالي محفوظ من كل سوء، ببركة السبع المثاني و ما يتلى في مساجد و زوايا المغرب المجيد من قرآن كريم.

بقلم: يونس التايب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *