تجولت كثيراً في وسط الرباط “مدينة الأنوار“ ووجدت الكثير.
تتغير الرباط بهدوء. من المصادفات اللطيفة أن تلتقي كثيرين من المعارف إذا كنت تتمشى راجلاً.
بدأت الجولة من حي “المحيط” منذ فترة طويلة تجري الإصلاحات في “المركز الثقافي المهدي بن بركة” في إطار مشروع مدينة الأنوار، في حين أصبح الشارع المحاذي للبحر أنيقاً جميلاً.
من هناك إلى “باب الحد” حيث أضحى يطل على ساحة مبهجة تتوسطها نافورة مياه.
ثم جولة طويلة في “الشارعين” محمد الخامس وعلال بن عبدالله ، بعد ذلك الصعود إلى حي حسان.
لاحظت ذلك الصباح كيف أن الناس يندلقون في “الشارعين” لكن دون ضجيج. يهرولون، صامتون، جميلون.
وجدت في شارع محمد الخامس رائحة متميزة، هي خليط من روائح القهوة والخبز والهلاليات الساخنة التي خرجت لتوها من الفرن .
في بعض الأحيان تستنشق عطراً من سيدات وفتيات يركضن نحو مكاتبهن.
في هذا الشارع مكتبات تعرض ثمرات المطابع ساخنة كما هو الخبز.
أكشاك مكدسة بالمجلات والصحف .لكن أمر القراءة مسألة شائكة. ثم هناك باعة كتب على الرصيف ستجد بها العجب العجاب .
لاحظت كيف أن هذه الرباط حافظت على بعض مبانيها الأثرية.
مساحات خضراء تتوسط الشارع وشجر نخيل ونوافير قبالة البرلمان أناس يتمتعون بالمكان، بعضهم يراقبون حركة الشارع.
آخرون يهمسون لبعضهم بعضاً، أطفال يركضون ويلعبون ويضحكون.
في شارع “علال بن عبد الله” يجلس الناس على الأرصفة بعد أن فاضت المقاهي من الداخل الى الخارج، يرتشفون مشروباتهم يتأملون المارة، يقصون لبعضهم بعضاً حكايات وقصص الإدارات الحكومية.
ستدرك أيضاً أن هناك بين الشارعين، بعض أمكنة، يبدد فيها آخرون وأخريات الوقت .
ليلهم يمتد حتى الفجر، مع ذلك لسان حالهم يقول إن الليل ما يزال طفلاً يحبو.
خلال هذه الجولة ستكتشف عالم “السويقة” المدهش، ستعرف أن “حسان” هو رمز التسامح بين ثلاث ديانات .
ستدرك أن “أكدال” هو حي طبقة وسطى، كانت تعيش وسط الزهور والخضرة والوجوه الحسنة، قبل أن تتحول إلى “غابة اسمنت.
ستروقك الصباحات الندية في “بلاس بتري” والوجوه النضرة، والورد الفواح.
المغرب يتغير، ولم يكن ممكناً أن تنأى الرباط بنفسها. لكن بعض المظاهر أحزنتني .
أحزنني أن مسرح محمد الخامس الشامخ بلا جمهور ولا ركح .
لم تعد المدينة تعيش ذلك الفوران الثقافي .لا تقرأ كما كانت، في زمن مضى ، عندما كان الناس ينتظرون الصحف والمجلات حتى منتصف الليل .
ثمة مدن ذكية، أخرى شاخت. ثالثة عصية على الوصف. رابعة تعرض مفاتنها على قارعة الطريق.
بدت لي الرباط مدينة أليفة، تحتفظ بأسرارها.
*طلحة جبريل /كاتب صحفي