يبدو أن التخلص من كابوس العنوسة الذي يقض مضجع المغربيات، دفع بالعديد منهن إلى ممارسة طقوس غريبة.

لعل ما حدث أمس الثلاثاء في موسم البحيرات. بجماعة بوكدرة(أسفي)، يساءل الدولة والمجتمع حول تلك الطقوس.

في خيمة من صنف “الخزانة”، كان نفر من “الشرفا”، يتاجرون في المئات من قوالب السكر يدعون أنها تحمل “البركة”.

“خمسين درهم ثمن القالب”، هكذا كان يردد شيخ مسن يلبس جلباب أصفر ورأسه يعتمر “رزة”، وهو يلوح بقالب السكر في وجه الباحثات عن “الزواج”.

بينما كان النسوة من مطاردات حلم الزواج ببركة “قالب الشرفا”، كانت أخريان يبحثن عن الخلاص من العنوسة برمي ملابسهن الداخلية..اين؟

تحت عجلات مركبات الموسم!.

 تقول إحدى الزائرات لموسم البحيرات “إنهن يشترون قالب الشرفا ويرمون بملابسهن الداخلية في أرض بوكدرة للتخلص من سُبة بايرة”.    

وعلقت أخرى” ديرو النيىة، الله يبلغ المقصود، كل واحد وغراضو.. والغرض الأول البحث عن الخلاص من العنوسة “.

العنوسة وقالب بوكدرة

يُعيد منظر نساء يُلقين بملابسهن الداخلية على قارعة الطريق خلال موسم السنوي البحيرات بثلاثاء الكدرة (نواحي آسفي)، إلى الواجهة ظاهرة العنوسة.

هؤلاء النسوة يُلقين بملابسهن الداخلية في انتظار مرور موكب الشرفاء الذي يدوس على ملابسهن.

وفي الاعتقاد، يؤدي ذلك إلى طرد نحس العنوسة المسلط عليهن، ويفتح لهن باب الأمل في العثور على زوج.

الملابس الداخلية النسائية

الرغبة في التخلص من العنوسة لا يقتصر على هذا الطقس الشعبي الغريب، بل ثمة طقوس أخرى منتشرة في أنحاء وأماكن متفرقة في المغرب.

بعض الأماكن تُشكل عامل جذب للعوانس، على سبيل المثال صخرة قرية “إيموران” بنواحي مدينة أكادير.

 تستقطب هذه الصخرة، جموع من النسوة الراغبات في الزواج، عبر التبرك بموقع “تامسوفت”.

وفي المعتقد، أنه يكفي وصول رذاذ سبع موجات من مياهه لجلب الحظ والظفر بالزوج..

ويبقى الطقس الأكثر شيوعا في المجتمع لطرح نحس العنوسة يتجلى في زيارة بعض الأضرحة والزوايا والتبرك بـ” أولياء الله”، للتحرر من الحظ السيء.

تختزل العنوسة كل المعاني السلبية، فهي مرادفة للإحباط النفسي والفشل الاجتماعي، والأحكام الجاهزة، والأمراض النفسية (الكآبة والتوتر النفسي)..

تحولت العنوسة إلى ظاهرة اجتماعية لا تثار إلا وهي مقرونة بالتحولات العميقة التي طرأت على المجتمع المغربي خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

متجمع العوانس بالأرقام

أشارت المندوبية السامية للتخطيط في إحصائيات لها، أن مؤشر العنوسة ارتفع خلال الخمسين سنة الماضية.

وذكر أنه تم تسجيل ارتفاع في سن الزواج بالنسبة للرجال والنساء.

وأشارت إلى أن هذا المعطى ينعكس على الهرم السكاني ويساهم في انخفاض الخصوبة، مبرزة أن 35% من المغربيات، أي أكثر من الثلث، عازبات. 

وأظهرت، في تقرير السكان والتنمية لسنة 2019، أن العزوبة عند الإناث بلغت سنة 2014 مستويات عالية في الأعمار الحاسمة.

وأكد أن 24% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 30 و34 سنة لم يسبق لهن الزواج.

وجاء في تقرير المندوبية أنه إذا كان التقليد السائد، خلال سنة 1960، هو الزواج المبكر والشامل، والذي يتم عادة بعد سن البلوغ.

وأضاف، فقد أدت التحولات السوسيو اقتصادية التي ميزت المجتمع المغربي خلال العقود الخمسة الأخيرة إلى تغيير هذا الوضع. 

وجاء في التقرير أن السن عند الزواج الأول لدى النساء انتقل من أقل من 20 سنة خلال الستينات، إلى أكثر من 25,7 سنة خلال 2014.

وإذا كان السن عند الزواج الأول هو أحد المتغيرات الرئيسية التي تساهم في انخفاض الخصوبة، فقد تراجع تأثيره تدريجيا لصالح انتشار وسائل منع الحمل الطوعية. 

وبحسب تقرير المندوبية، عرف انتشار وسائل منع الحمل ارتفاعا مهما جدا عبر مر السنين. 

فبعدما كانت حوالي 6% من النساء في سن الانجاب يستعملن وسيلة لمنع الحمل سنة 1960، انتقل هذا المعدل إلى 19% سنة 1979 ثم 63% سنة 2004 و67,4% سنة 2011. 

ويقدرانتشار وسائل منع الحمل بـ 65,5% في الوسط القروي و68,9% في الوسط الحضري.

 وأوضحت أرقام المندوبية أن العنوسة تسجل في وسط الفتاة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة في القطاع الخاص وحتى الإدارات العمومية.  

بين الإجتماعي والمادي

 تقف عوامل متشابكة وراء انتشار ”العنوسة”  منها العامل الاقتصادي والمادي، ففئة عريضة من الشباب اليوم لا يستطيعون توفير أعباء الحياة اليومية.

ويُعاني الكثير من الشباب اليوم من معضلة البطالة التي تدوم لفترة طويلة، وهو ما يحول دون تحقيق الفرد لاستقلاله المالي ولا يسعفه في بناء أسرة.  

وقالت إحدى المواطنات، إن العديد من النساء يفضلن البقاء بمفردهن ويرفضن الزواج، حتى يتمكن من العيش في استقلالية ويوفرن لأنفسهن ما يردن دون الارتباط بالرجل.

وأضافت أنها لا تتفق تماما مع هذا الرأي، لأنه ينبغي مراعاة الوضعية الاجتماعية للرجل الذي يلقى صعوبات في العثور على عمل وضمان  الاستقرار المهني وبالتالي توفير شروط الزواج.

في السياق نفسه، أكدت مواطنة، أن من ضمن أسباب العنوسة، عجز الزوج عن تلبية طلبات المرأة، واقتسام الحلو والمُر، وغياب الثقة.

وأضافت أن نتيجة لذلك، فإن المرأة تفضل الاستمتاع بحريتها وبمدخولها كما تريد، وكخلاصة فإن الزواج انقرض.

 وصرحت مواطنة أخرى أن البطالة تفسر إلى حد كبير سبب انتشار العنوسة في المجتمع.

وأبرزت أن خروج المرأة إلى العمل جعلتها تشك في النوايا الحقيقية للرجل، بحيث تعتقد أن الذي يتقدم لزواجها ” طامع فيها”.

وأكدت أن ” النية” لم تعد قائمة في المجتمع عكس الأجيال السابقة.

أكد علي الشعباني، الباحث السوسيولوجي، أن تفسير العنوسة ببعض الممارسات والسلوكات الخرافية ليست جديدة، بل هي قديمة في المجتمع المغربي.

الأضرحة والبخور والأشجار

وقال الباحث، في تصريح لـle12.ma، إن المظاهر الأكثر شيوعا هي زيارة الأضرحة أو الاستعانة  بـ”بركة” الصخور والأشجار. 

وأضاف أن  ثمة تراكمات سلبية عديدة تقف وراء هذه الظواهر.

وعزا انتشارها إلى استمرار الجهل والأمية، على اعتبار أنهما يغذيان   هذه الظواهر ويضمنان لها الاستمرارية.                                         

وأكد أن الثقافة الموروثة تستمر مع استمرار انتشار الجهل والأمية.

أكد عدد من المواطنين، أن البطالة والمرتب الهزيل سبب رئيسي في تأخر الزواج وانتشار العنوسة، إضافة إلى ضعف القدرة الشرائية الناتج عن تعقيدات الحياة العصرية.

وقاد أمثلة على ذلك من قبيل، غلاء أسعار كراء أو اقتناء الشقق وتكاليف الحياة بصفة عامة، وطغيان المفهوم المادي للزواج.

العنوسة في رأي الناس

وأبرز هؤلاء المواطنين، في تصريحات لـle12.ma، أن غياب الثقة بين الزوجين وغياب الاستعداد لتقاسم مسؤولية الحياة الزوجية في السراء والضراء .

وكذا غياب مفهوم التضحية لدى الأزواج ساهمت في انتشار الظاهرة.

جريدة Le12.ma، نزلت الى الشارع وهي تضع ظاهرة العنوسة في المغرب تحت المجهر فكانت هذه الحقائق الصادمة. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *