كبار فلاسفة أوروبا الذين نعرفهم ونقرأ لهم ونمجدهم كانوا خونة ومؤيدين للاستبداد واحتلال الشعوب وعنصريين. هذه حقيقة قد تخدش عواطف البعض.
هيغل مثلا أيد احتلال نابليون لبلده ألمانيا؛ فهو صاحب الخيانة العظمى.
ماركس أيد توحيد بيسمارك لألمانيا بالقوة والعنف ودعم احتلال الجزائر.
أما أخطر نموذج للوضاعة فهو مارتن هايدغر زعيم الوجودية؛ فقد خان جميع مبادئه ووقف إلى جانب هتلر والنازية؛ وكافأه هتلر بأن جعله عميدا لإحدى الجامعات التي كان عميدها هو الفيلسوف كارل ياسبرز؛ وهو أيضا كان زميله في المدرسة الوجودية؛ وهرب ياسبرز إلى سويسرا.
أما ميشيل فوكو فكان وحشا حقيقيا؛ كان شاذا جنسيا ويهتك أعراض الأطفال؛ ومن يقرأ كتابه “تاريخ الجنس” خصوصا الجزء الأول النظري سوف يرى شخصا منحرفا ينتقد الحشمة والحياء والأسرة والتقاليد العائلية ويعتبرها كلها قيما بورجوازية.
أما جان جاك روسو الذي نظر للعقد الاجتماعي فقد كان أول خائن للعقود.
كان يتزوج بدون عقد ويرفض الاعتراف بأبنائه. والكارثة العظمى هو جون لوك؛ فقد دافع على التسامح حتى اشتهر بأنه فيلسوف التسامح؛ لكنه كان يرفض التسامح مع المسلمين.
ليس كل ما نراه ذهبا.
الفلسفة الغربية عندما رفضت القيم ونادت بقيم إنسانية كانت تقول ضمنيا بأن كل إنسان يضع القيم التي يريد؛ حتى وصلنا إلى الدفاع عن الشذوذ فلسفيا؛ بالمنطق والقواعد والعقلانية.
لكن الشذوذ لم يسقط من السماء؛ فعندما نادى ميشيل فوكو مثلا بتحرير الجسد liberté du corps كان يمهد لحركة الشواذ؛ ولو عاش حتى عام 2000 لرأيناه يتظاهر مع الشواذ في مراكش ويرفع العلم الملون.
لكن إعجابنا بهؤلاء الفلاسفة لا ينتهي؛ فنحن نعتبرهم رواد النزعة الإنسانية ودعاة التنوير.
نحن نقدس هؤلاء الذين كانوا يترددون على المواخير ويدافعون على قومياتهم وثقافاتهم؛ ونلعن الفقهاء المسلمين الذين كانوا يجلسون في الزاوية يذكرون الله ويفكرون في اليوم الآخر؛ فنحن لم نتحرر بعد؛ وكلما حاولنا التحرر من تراثنا ازداد خضوعنا لسحر الآخرين؛ فالطبيعة تكره الفراغ.
*الدكتور إدريس الكنبوري