إعداد: عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.

مع ضيف حلقتنا الليلة من “قصص أسماء مغربية سطعت في المهجر” سنتوقف في محطة باسمة رافقت مسار فنّان مغربي أضحك الناس ورسم الابتسامة على الوجوه حيثما حلّ أو ارتحل.

ولد جاد المالح في 1971 في أسرة مغربية تنتمي إلى طائفة اليهود “السفارديم”. ويحمل الكوميدي الأكثر شهرة في فرنسا، بفضل عروضه المضحكة، الجنسيات المغربية والفرنسية والكندية.

كان تأثير الوالد كبيرا في حياة جاد الفنية، إذ كان يمارس في أوقات فراغه فنّ التعبير المسرحي الصامت. وعُرف المالح بشغبه حين كان تلميذا وبهروبه من مدرسة البعثة الفرنسية برفقة “المشاغبين” من أقرانه في الأحياء الشعبية. وتنبّأ له أساتذته بالفشل، لكنه خيّب ظنهم، إذ صار من كبار كوميديي العالم.

درس جاد المالح في “ثانوية ليوطي” في الدار البيضاء، قبل أن يهاجر، في 1986، إلى كندا لإتمام دراسته في العلوم السياسة. وبعد كندا، رحل إلى فرنسا في 1992.

في 1996 بدأت مسيرة جاد المالح الفعلية، وبعد ذلك بسنة قدّم أول عرض له بعنوان “ديكالاج”.

فوق عروضه الـ”وان مان شو” التي لقيت نجاحا، شارك جاد في أكثر من 33 عملا سينمائيا.

بفعل إصراره وحبه مهنةً شاقة مثل إضحاك الناس، صار جاد المالح واحدا من النجوم القلائل الذين استطاعوا أن يتركوا “بصمة” في تاريخ العروض الكوميدية المسرحية المعتمدة على أسلوب الـ“وان مان شو”، بعد أن جسّد العديد من الشخصيات التي سلّطت عليه الأضواء وجعلته محط أنظار الملايين، وكان طبيعيا أن يفرض موهبته التمثيلية، التي جذبت كبار مخرجي “هوليوود”.

بجمعه بين جنسيات ثلاث (المغربية والفرنسية والكندية) تشكّل لديه مزيج ثقافي منح شخصيته أبعادا متنوعة يغرف منها بحسّه الكوميدي الذي حوّله إلى النجم الأول في شباك مسرح الكوميديا.

في كندا سيكب المالح على دراسة العلوم السياسية في 1988، لكن سرعان ما هاجر إلى باريس بهدف احتراف الفنّ. ولأجل ذلك، التحق بـ”مدرسة فلوران”، أعرق معاهد تكوين الممثلين المحترفين، التي درَس فيها سنتين ونصف، تعلم فيها أصول فنون التمثيل والمسرح والتجسيد.

كان أول ظهور احترافي للمالح على خشبة المسرح في 1996، وكان ذلك برفقة الممثل الكوميدي الفرنسي اليهودي، أيلي كاكو، تونسي الأصل.

بعد ذلك بعام، كانت أول “مواجَهة” بين جاد والجماهير في عرض فردي بعنوان “ديكالاج”، وكان عملا فكاهيا “متكاملا”، بحسب النقاد الفرنسيين، ما مهّد له الانطلاق في عالم عروض الـ“وان مان شو” أو الـ”ستاند أب كوميدي”.

ركّز المالح على العروض الكوميدية المسرحية، إذ قدم عروضه “الحياة العادية” و”الآخر هو أنا”، ثم “بابا فوق”، الذي قدمه على مسارح حاشدة طوال ثلاث سنوات حافلة بالنجاحات الجماهيرية.

واستثمر جاد المالح نجاحه الجماهيري ليتحول إلى عالم السينما، إذ شارك في السنة ذاتها (1997) في فيلم “سلاما ابن العم” للفنان الجزائري مرزوق علواش.

ولج المالح عالم السينما، في 2009 بفيلم “كوكو”، مستفيدا من نجاحه الشعبي. وفي 2012 تقاسم مع النجمة صوفي مارسو بطولة فيلم “السعادة لا تأتي بمفردها”. قبل أن يعود إلى خشبة المسرح بعرض “دون طبل”، الذي تواصلت جولاته عبر العالم طيلة سنوات.

وقدم المالح في هوليوود أدوارا متفاوتة الأهمية، مثل دوره في فيلم “منتصف الليل في باريس” للمخرج الكبير وودي آلن، و”تانتان” لستيفن سبيلبيرغ. كما استطاع الوقوف أمام الممثل العملاق آل باتشينو في فيلم “جاك وجولي”.

في فرنسا، ظل نجاح المالح الراسخ في أذهان المتفرجين مرتبطا بالعرض الكوميدي “شوشو”، الذي استقطب أربعة ملايين مشاهد..

بعد ذلك، تلاحقت عروضه الفردية، التي تبوّأ بفضلها صدارة النخبة التي تضحك ملايين من الفرنسيين والناطقين باللغة الفرنسية.

لكنّ مسار جاد المالح لم يكن كله مفروشا بالورود. فقد لاحقته، على غرار غيره من المشاهير، الكثير من الإشاعات التي تستغل تطور التكنولوجيا لتمرير “حقائق” مغلوطة، عن هذا أو تلك لأسباب مجهولة. من ذلك “صورة” ظهر فيها مرتديا بذلة عسكرية إسرائيلية.. قبل أن يتضح، لاحقا، أن “الصورة” مزورة عن طريق الـ”فوتو شوب”.

واضطر المالح في هذه “الحرب” من حزب الله اللبناني، في 2009، إلى إلغاء حفل له في لبنان، ضمن مهرجانات بيت الدين الشهيرة، بعد أن تعرّض لهذه الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي نُسب إليه فيها “مساندتُه” لقوات الاحتلال الإسرائيلي، في تغريدة له عبر موقع تويتر. وقالت وسائل إعلام فرنسية رسمية حينذاك إنها “حرب” إعلامية قادها حزب الله.

ظل المالح متشبثا وبخورا بأصوله المغربية ولا يكاد يفوّت فرصة دون إبداء افتخاره واعتزازه ببلده الأم. وفي هذا السياق قال، في أحد أشهر البرامج الحوارية في أمريكا، مع المذيع المشهور كونان أوبراين. وتحدّث المالح في البرنامج بطريقة مرحة عن جنسيته المغربية قائلا “أنا فخور جدا بأصولي، ولكنْ هذا ليس الوقت المناسب لتقديمها إلى السلطات الأمريكية على جواز سفر مكتوب باللغة العربية”؛ في إشارة إلى قرارات ترامب الخاصة بمنع بعض مواطني الدول العربية من دخول أمريكا.. كما دعا كلا من كونان أوبراين وصديقه الحميم أندي رشتر إلى زيارة المغرب.

ونعود للتوقف عند إحدى ضرائب الشّهرة.. ففي فبراير الماضي وجٌهت اتهامات بالسرقة لجاد المالح وأبعدته عن فضاءات العروض الكوميدية.

وبدأ “الجدل” بعد اتهامات بـ”السرقة الأدبية” وجّهها للمالح كوميديون فرنسيون وأمريكيون. وصارت مسيرة مهدّدة بأن “تتوقف” بسبب هذه التهديدات.

فبعد إعلانه اللجوء إلى القضاء وحذف كل الفيديوهات المثيرة للجدل من موقع “تويتر”، كشفت مصادر مقربة من الكوميدي المغربي أنه تسبب في “إحراج” لإدارة المسرح الفرنسي، لا سيما بعد إعلان “لامادلين” برنامجا غنيا بين أبريل ويونيو للعرض الكوميدي “الدعوة”، الذي يجمع المالح بالفنانَين الفرنسيين فيليب لولوش ولوسي جون.

وأفاد “هسبريس” في هذا الإطار بأن توالي اتهامات السرقة الأدبية لحاد المالح، من فنانين مغاربة وأجانب، أصبحت “تهدد” سمعة الفنّان الكوميدي وتدق ناقوس خطر نهاية مسيرته الفنية”. وأشارت إلى قرار منعه من تقديم عرضه قبل أسابيع في أحد مسارح مونتريال الشهيرة.

وقد منعت إدارة المسرح الكندي المالح بالفعل من تقديم عرضه الكوميدي للسبب ذاته، بحسب تقارير كندية، مستشهدةً، بحسب المصدر السابق، بفيديوهات تضم العرض الأخير الذي قدمه جاد المالح باللغة الإنجليزية، والذي “يتشابه” إلى حد كبير مع عروض كوميدية قدّمها مجموعة من الكوميديين الفرنسيين والأمريكيين؛ منهم ستيفن رايت وجيري سينفيلد وداني بون وديودوني، وكذا كنديين، ومنهم جورج كارلان ومارتن ماتي وباتريك هارد.

وردّ المالح على هذه “الاتهامات” بلجوئه إلى القضاء، مع حذف كل الفيديوهات المثيرة لـ”الجدل” من تويتر. وكانت قناة “كوبي كوميك” وراء إثارة هذه القضيّة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما اتهمته بـ”السرقة”.

وفي خضمّ ذلك، تمكّنَ دفاع المالح من أن يقنع إدارة “تويتر” بحذف هذه الفيديوهات، مطالبين إياها بكشف هوية الشخص/ الجهة الذي يقف وراء حساب “كوبي كوميك”، الذي كان أول من اتهم المالح بـ”قرصنة” مقتطفات من أعمال كوميديين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *