إعداد: عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.

كان لوفاة والد ضيفة حلقة الليلة من “قصص أسماء مغربية سطعت في المهجر” دور كبير في ما وصلت إليه اليوم. وعن ذلك قالت، في حوار مع جريدة “لوموند” الفرنسية، إنها بعد وفاة والدها بلغت سن الثانية والعشرين في ظروف “صعبة جدا”، إذ “تهاوى كل شيء وأدركنا أن المصائب يمكن أن تحلّ بالإنسان في أي لحظة وأنه ينبغي أن نفعل ما نتوق إلى فعله.. لقد استوعبت والدتي تلهفي الكبير ورغبتي في الانخراط في المسرح والكتابة ودعمتني في ذلك.. ثم إنني أظن أني لم أكن لأكتب ما كتبتُ لو كان أبي لا يزال على قيد الحياة.. ربما سكن موته أعماقي”.

 

تلك كانت بدايتها في مجال الكتابة إذن. ولم تتأخّر في تكريس اسمها في سماء الأدب الفرنكوفوني بعد أن تُوجت بجائزة “غونكور” الأدبية في 2016 بفضل روايتها “أغنية هادئة”.

ولدت ليلى في 1981 في الرباط من أم ذات أصول فرنسية -جزائرية ومن أب مغربي. وكان والداها يحبان الكتب. درست في المعهد الثانوي الفرنسي في الرباط، ثم في معهد العلوم السياسية في باريس، وبعد ذلك في المدرسة العليا للتجارة -تخصص إعلام. ثم عملت خمس سنوات في مجلة “جون أفريك” قبل أن تستقيل وتتفرغ للكتابة الأدبية.

جربت السليماني مهنة التمثيل في «كور فلوران»، كما انضمت إلى أسرة تحرير مجلة «جون أفريك» في 2008، قبل أن تغادرتها بعد ذلك بخمس سنوات.

وفي 2014، نشرت روايتها الأولى بعنوان «في حديقة الغول»، التي استلهمتها من قضية المدير العام لصندوق النقد الدولي السابق، دومينيك ستروس كان في 2011.

وفي 2016 حصلت السليماني على الجائزة الفرنكوفونية الأرقى. وصارت الروائية المغربية الشابة (35 سنة آنذاك) ثاني مغربية ومغاربية تفوز بهذه الجائزة العريقة، بعد الطاهر بن جلون (1987) والذي صار منذ عدة سنوات أحد أعضاء لجنة تحكيم الجائزة. كما صارت السليماني ثالث عربية تفوز بالجائزة، بعد بن جلون واللبناني أمين معلوف (1993).

بالعودة قليلا إلى الماضي، كان والد ليلى السليماني مصرفيا في المغرب واتّهِم باختلاسات مالية، هو الذي شهد صعودا مهنيا “سريعا” رغم أنه يتحدر من وسط متواضع في فاس. وفي هذا الإطار قالت السليماني إن والدها درس الاقتصاد في فرنسا وعُين أستاذا في الرباط بعد عودته، ثم كاتب دولة في الاقتصاد في سبعينيات القرن الماضي، فرئيس بنك القرض العقاري والسياحي (CIH).

كانت ليلى في الثالثة عشرة عندما طرد من العمل، الذي لم يزاول غيره أبدا بعد ذلك. فقد وجد نفسه في قلب “فضيحة” اختلاسات مالية، لكنه لم يرغب أبدا، بحسب ابنته، في “الفرار” من المغرب، “لأنه كان يدرك أنه بريء”، قبل أن يفارق الحياة بعد مغادرته السجن. ووضّحت السليماني في هذا السياق أن والدها “حصل، بعد بضع سنوات، على براءته من جميع التهم التي وُجّهت له، فقد كان خطأ قضائيا، إذ كان “كبش فداء”، ما قلب حياتنا رأسا على عقب”.

ستجتاز عائلة السليماني هذه المحنة بفضل الأم، “المرأة التي تفوق روعتها الروعة العادية.. أمي هذه البطلة الخارقة، بدعمها لوالدي وكرامتها وشجاعتها، وحتى قوتها الجسدية، وطريقتها في حمايتنا.. كنا ننتمي إلى وسط بورجوازي مريح جدا، بحيث كنا نظن أن هذه الأمور لا تحدث إلا للآخرين”.. لقد قضى والدها وهو في الحادية والستين أربعة شهور في السجن، ما منح ابنته وهي شابة فكرة واضحة عن الوضع الاجتماعي والنجاح والصداقة.

تنفر ليلى سليماني في كتاباتها من مسائل الهوية، التي كانت تُستدرج دائما للحديث عنها. وسبق لها أن قالت في تصريح صحافي: “عندما تنشر امرأة مغاربية شابة روايتها الأولى يثار الإسلام والهوية والمغرب العربي والهجرة… لقد أردت أن أظهر أن مغاربيا يعيش في فرنسا يحيط أيضا بثقافة عالمية جامعة، وليس مجبرا على ذكر كثبان الرمل والجمال والمساجد في كتاباته”.

 

كانت “أغنية هادئة” الروايةَ الثانية للسليماني بعد “في حدية الغول”. والروايتان صادرتان عن دار “غاليمار” للنشر. وقد سجلت “أغنية هادئة” مبيعات مرتفعة في المكتبات، وهي تروي قصة جريمة قتل طفلين على يد مربيتهما. ورغم هذه الأطوار، التي تبدو تابعة لسرد “الإثارة”، فإن الرواية تعالج في العمق العلاقات الاجتماعية القائمة على السيطرة والبؤس والعنف.

أما روايتها الأولى “في حديقة الغول” فتتمحور قصتها حول إدمان امرأة على تعاطي الجنس خارج حياتها الزوجية. وعلى غرار “أغنية هادئة” لا علاقة لـ”في حديقة الغول” بالروايات الرومنطيقية -الإباحية المبتذلة. فالجنس الذي تطرحه ليلى سليماني “قاتم وحزين، وسخ وموجع في الآن ذاته”.

تفضل السليماني القول إنها “باريسية وغير متدينة”. لكنها ولدت وكبرت في الرباط. وفي هذا السياق قالت في تصريح صحافي “شئت أم أبيت، فأنا أظلّ في المغرب “امرأة” و”مسلمة”؛ لذلك أتحمّل مسؤوليتي عندما أكتب عن الحياة الجنسية في بلاد تحرّم فيها المثلية والعلاقات الخارجة عن الزواج، ففي ذلك نوع من المخاطرة”.

حسب الاستفتاء السنوي الذي تجريه مجلة «Vanity Fair»، حلّت الكاتبة المغربية -الفرنسية في المرتبة الثانية في قائمة أكثر 50 شخصية فرنسية تأثيرا في 2018 وحلت السليماني في هذه الاستفتاء خلف مصمم الأزياء الشهير الهادي سليمان. وتفوقت السليماني على شخصيات فرنسية ذات تأثير كبير، ورغم ذلك حلّت بعد السليماني، ومنها كيليان مبابي، مهاجم منتخب فرنسا ونادي باريس سان جيرمان» (المرتبة الثالثة) بل تفوقت حتى على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حلّ في المركز الخامس.

هي مغربية أخرى حلّقت بعيدا عن الوطن الأم واستطاعت، بفضل اجتهادها وكفاحها ومثابرتها على كتابة اسمها بحروف من ذهب في سجّل الأدب الفرنكوفوني بعد تتويجها بالجائزة الأعلى والأرقى في فرنسا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *