إعداد: عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.

 

ضيف فسحة هذه الليلة أديب “فرنسي” من الجيل الثاني.. قلّما ذُكر اسمه دون أن يكون مثار خلاف وجدل في هذه الناحية أو تلك، من هذا المنطلق أو ذاك.. لكنّ هذا الأديب واصل مساره مكرسا نفسه اسما مغربيا “قال” لكنْ بلغة غير إحدى لغات البلد.

راكَم الطاهر بن جلون (مواليد فاتح دجنبر 1944 في فاس) مجموعة من العناوين في الشعر والرواية والقصة، امتطى فيها ناصية الفولكلوري والعجائبي. وكان أول أعماله التي قدّمته اسما جديرا بهتمام نقاد الأدب ودارسيه رواية “ليلة القدر”، التي حصل بفضلها على جائزة “غونكور” الفرنسية.

في 1955 ستنتقل عائلة بن جلون إلى طنجة، وهناك التحق بمدرسة فرنسية. وفي 1966 سيعتقل برفقة العشرات من الطلبة، بسبب تنظيمهم مظاهرات 1965 الطلابية والمشارَكة فيها. بعد ذلك، “تخلى” عن الانتماء السياسي ولجأ إلى الكتابة.

اشتغل مدرسا (باللغة الفرنسية) للفلسفة في الرباط حتى 1971، موعد إعلان الحكومة عزمها على “تعريب” تعليم الفلسفة. احتجاجا على على هذه الخطوة، غادر بن جلون (الفرنكوفوني) المغرب صوب فرنسا. ودرس علم النفس وحصل فيه على شهادة عليا.

بعد وقت قصير على استقراره في باريس بدأ مساره في الكتابة، وفي خضمّ ذلك عمل كاتبا مستقلا لصحيفة “لوموند”. وموازاة مع ذلك، ألّف في الشعر والرواية. وقد كانت بدايته بأشعار مع مجموعة “أنفاس” في المغرب، ثم وجّه بوصلته نحو الرواية والقصة. وأصدر، منذ السبعينيات، مجموعة من الأعمال الأدبية، أشهرها روايات “حرودة” (1973) و”موحى الأحمق، موحى العاقل” (1981) و”صلاة الغائب” (1981) و”طفل الرمال” (1985) و”ليلة القدر” (1987) الرواية التي حصل بفضلها على جائزة غونكور الفرنسية في سنة صدورها.

أصدر الطاهر بن جلون، كذلك، مجموعة من النصوص القصصية والدواوين والأنطلوجيات، لعل أشهرها “ذاكرة المستقبل”، وهي أنطولوجيا حول القصيدة الجديدة في المغرب (1976) وديوان “في غياب الذاكرة” (1980) والمجموعة القصصية “الحب الأول هو دائما الأخير” (1995).

وكما أسلفنا، فقد اختار الطاهر بن جلون الكلمة والكتابة طريقا لـ”النضال”، بعدما عن أي تنظيم سياسي أو نقابي. وانتقد العنصرية في المجتمعات الأوربية، وعدّها نتيجة الإخفاق في إدماج جاليات المهاجرين في بيئاتها الجديدة.
وفي ذلك حمّل المسؤولية للطرفين: الحكومات، بسبب إخفاقها في إدماج المسلمين ذوي الأصول الإفريقية في تكوينها العلماني وتركتهم داخل “غيتوهات” حيث ولد التشدد وكراهية العلمانية،؛ والمهاجرين، لأنهم في نظره لم يبذلوا مجهودا للتكيف مع الواقع الجديد.

كتب بن جلون، يوما، مقالا في جريدة “لوموند” الفرنسية بعنوان “الإسلام الضعيف”، طرح فيه سؤالا استنكاريا مفاده: “هل بلغ الإسلام مستوى من الهشاشة عاليا ليكون مهددا في وجوده وأركانه وقيمه مع ظهور أي فيلم أو صور أو رسم كاريكاتوري؟”.. وأجاب بالنفي، مشددا على أن “الهشاشة لم تضرب روح الإسلام وقيمه، بل ضربت المسلمين، الغارقين في جهلهم”.

كما انتقد الطاهر بن جلون الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى الدين إلى اللنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مجلة فرنسية لم تجرؤ على نشر رسوم مماثلة للبابا أو للكهنة المسيحيين، قائلا إن ذلك “يغذي الإرهاب وعداوة الإسلام في الغرب”.

كتب بن جلون دوما باللغة الفرنسية، مصرا على أنه كاتب “فرنسي” رغم أن الفرنسيين لم يقرّوا له بذلك. ففي “مهرجان الأدب العالمي.. اللغة والمنفى”م الذي نظمته “ريفيو أوف بوكس” في لندن 2010، عبّر عن امتعاضه واستيائه عندما وجد كتبه تباع في المكتبات الفرنسية مصنفة ضمن خانة “الأدب الأجنبي”..

في خضمّ كل ذلك، آخذ عليه بعض النقاد “الانبطاح للغرب”، لأنه يكتب، في نظرهم، بطريقة المستشرقين، محولا بلده إلى “عالم م العجائب والطقوس الفولكلورية لكي “يتفرج” عليه الفرنسيون.

من أعمال الظاهر بن جلون الأخيرة روايات «ليلة الخطأ» (1997) و”مأوى الفقراء” (1999) و”تلك العتمة الباهرة” (2001) التي أثارت “حفيظة” معتقلي تازمامارت، لعدم إثارة قضيتهم من قبل و”استفادته” منها الآن لكسب أرباح على حسابهم…

هو كاتب أثار الكثير من القيل والقال. آخذ عليه كثيرون العديد من “المساوئ” في اختياراته ومنطلقاته وقناعاته الإيديولوجية، لكنه في المقابل واصل مسيرته الأدبية، مكرسا اسمه كاتبا فرنكوفونيا، حتى لا نقول “فرنسيا” كما يحبّ أن يصنّف نفسه ويصنّفه الآخرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *