القاهرة:مراسلة خاصة
وسط مشاركة مغربية معتبرة بقيادة الدكتور حكيم بنشماش رئيس مجلس المستشارين، عقد البرلمان العربي، برئاسة الدكتور مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي، أمس السبت، مؤتمرا للقيادات العربية رفيعة المستوى في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة.
حضور وازن
حضر مؤتمر القيادات العربية رفيعة المستوى وفدٌ من القيادات رفيعة المستوى، منهم الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، والأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وستة رؤساء وزراء سابقين. كما حضر فعاليات المؤتمر عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، والعديد من رؤساء البرلمانات العربية. ومثّل المغرب في هذا المؤتمر عبد الحكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين، ومحمد إبراهيم المطوع، وزير شؤون مجلس الوزراء في مملكة البحرين، وإبراهيم غندور، وزير خارجية السودان السابق، وصائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، وابتسام الكتبي رئيس مركز الإمارات للسياسات، وعايد المناع الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، وعدد من كبار الإعلاميين والمفكرين العرب.
المؤتمر وأهدافه
شدّد الدكتور مشعل بن فهم السلمي رئيس البرلمان العربي، على أن الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر العربي المهم تأتي إدراكا من البرلمان العربي لدقة وخطورة المرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة العربية والتحدّيات الجسام التي تواجه الدول والمجتمعات العربية، والتي تستوجب توحيد الصف العربي ونبذ الخلافات وتعزيز التضامن العربي المنشود لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والنهضة في المنطقة.
وتابع رئيس البرلمان العربي أن الهدف من عقد المؤتمر هو إعداد وثيقة عربية يشارك في وضعها مع البرلمان العربي قيادات عربية رفيعة المستوى، ذات معرفة عميقة وخبرة كبيرة في مجال العمل العربي المشترك، وهي “الوثيقة العربية لتعزيز التضامن ومواجهة التحديات”، التي سيرفعها البرلمان العربي إلى مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، في اجتماعه المقبل (سيُعقد في تونس خلال مارس المُقبل).
كلمة بنشماش
ألقى الدكتور حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، مداخلة مهمّة تمنّى فيها “أن يفضي اللقاء إلى تقديم مساهمة ملموسة في إنضاج شروط بدء صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين بلداننا التي وحّدها التاريخ واللغة والحضارة والدين السمح ولا يزال”.
وتابع بنشماش أن “المنطقة العربية مرّت فترة عصيبة من التوترات والانقسامات وصلت شأوا بعيدا، ما سوغ للقوى المهيمنة استسهال اعتماد إستراتيجيات التدخل المباشر ومحاولات الإخضاع والسيطرة والبلقنة والتجزئة وتدمير ما حققته دولنا الوطنية في مجالات البناء المؤسساتي والتنمية وحفظ الاستقلال الوطني والحوزة الترابية وفي التعاون البيني في ما بين بلدان المنطقة العربية، من أجل العودة بها إلى فترات صعبة من تاريخها، وربما أصعب كثيرا. ونحن نرى بأمّ أعيننا كيف تتم التكتلات وتُبنى التحالفات وتصطف القوى من أجل البقاء في عالم ما انفكّ يتعقد وتتسارع وتيرة تطوره وتتفاقم المخاطر والتحديات الناشئة عنه”.
القضية الفلسطينية
كما “لم تسلم قضية العرب الأولى قضية فلسطين من التسويف والتماطل والاحتواء، وصولا إلى التطويق ومحاولة التصفية وإدراجها ضمن رفوف التاريخ المهملة”، يقول بنشماش، مشددا وسط تصفيقات الاحترام والإعجاب من لدن الحضور على أن “دروس الفترة الأخيرة في منطقتنا وفي العالم يجب أن تنتصب أمامنا بكل وضوح لعلها تشكل رافعة فعالة من أجل استرداد المبادرة، عبر اعتماد رؤية إستراتيجية استباقية تضع في المقام الأول أمن واستقرار ووحدة بلداننا باعتبار الاستقرار شرطا لا مندوحة عنه لمواجهة تحديات المستقبل، رؤية تجعل أولويةَ الأولويات اعتمادُ أو إحياء سياسات التعاون والتضامن في كل مناحي الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، موقنين بأن المستقبل لن يكون إلا للتكتلات الكبرى في كل هذه المجالات؛ ما يفرض إحياء وتجديد الآليات البينية والجهوية والعربية من أجل تجسيد هذه الإستراتجية”.
ومن أجل توفير أحسن الشروط لاختيار واصطفاف كهذا، أكد بنشماش أنه ” ليس هناك أفضل من تشجيع المصالحات الوطنية وترتيب ما يتعين ترتيبه في مجال الحكامة المطلوبة والآليات الاجتماعية الفعالة التي تبعث الطمأنينة في النسيج المجتمعي وترسخ الاستقرار وتوفر شروط التنمية وإنتاج الثروة وتوزيعها”.
وتوقّف بنشماش عند “مشروع “الوثيقة العربية لتعزيز التضامن ومواجهة التحديات”، التي سيكون علينا أن نتوافق حولها ونرفعها إلى مجلس جامعة الدول العربية، التي ستعقد قمتها في مارس المقبل في تونس الشقيقة التي عاشت، خلال السنوات القليلة الماضية، محطات نوعية طبعت تاريخها الحديث. وإننا إذ نشدد على التعبير لها عن خالص تمنياتنا في المزيد من المكتسبات ضمن الوفاق الوطني الذي يطبع سيرها، لنغتنمها مناسبة لاستحضار عدد من الأسئلة المتعلقة بدورنا كبرلمان عربي في سياقاتنا هذه”…
المشاركة الشعبية
وأكد بنشماش، في مداخلته، أن “سياقات المرحلة وضرورات نمو وازدهار بلداننا تفرض أكثر، من أي وقت مضى، فتح الأبواب أمام المشاركة الشعبية وتوفير أدواتها بالنسبة للمواطن واحتضان تطلعاته في المشاركة في القرار وفي إغناء الديناميكية المجتمعية المُدْمِجة، التي تشكل حجرا أساسيا من السد المنيع أمام دعوات الانعزال ونبذ المجتمع؛ وهي الدعوات التي تنتهي في أغلبها بالارتماء في حضن التطرف والغلو المؤدي حتما إلى الإرهاب المقيت”.
وشدد رئيس مجلس المستشارين في البرلمان المغربي عَلى أن “المطلوب من برلماننا اليوم أن يكون حاضن هذا الاختيار عن طريق ترسيخ الحضور الشعبي في كل برامجنا، جماعية أو بينية، كما ينص على ذلك ميثاق الجامعة العربية، ما يستدعي تكثيف المبادرات وإطلاق الطاقات ولربما توسيع الوعاء البشري لمؤسساتنا، مع تطوير وتوسيع صلاحياته وتعزيز الإمكانات الموضوعة رهن إشارته”.
وزاد بنشماش أنه “في هذا الصدد ربما وجبت مقاربة الأمر عبر المسالك والممرات التي تتيحها الحياة نفسها، أي تعزيز تبادل الخبرات والإنصات الفاعل والمتفاعل إلى التجارب المؤسساتية الديمقراطية، بكل تعبيراتها التمثيلة والتشاركية المواطِنة وغيرها وفتح المجال أمام تعبيرات المجتمع المدني، بمختلف تنويعاته، على امتداد الرقعة العربية، من أجل التفاعل وتبادل التجارب والدروس وترسيخ المؤسسات وتعميق الاختيار الوحدوي العربي على جميع المستويات، عبر المقاربات التشاركية وتوفير المناسبات وتنويع المنصَّات الأكثر قربا من الوجدان أعني الثقافة والفن والإبداع في كل أشكالها، مع استثمار الطفرة المعلومياتية بما يتطلبه العصر من انفتاح وتفاعل وتلاقح.. إن عالم اليوم عالمُ تقنيات واقتصادات وعالم مركبات صناعية كبرى وغيرها. لكنه كذلك عالم قيم وثقافة وعالم مشاركة فاعلة من لدن كل فئات المجتمعات وعالم رمزيات قوية قد تتجاوز ما هو مرئي ومحسوس، وعلينا أن نكون في المواعيد بكل ما أوتينا من عزيمة وإرادة وإمكانات”.
وفاء المملكة
وشدّد المتحدث ذاته، في هذا الإطار، على أن “المملكة المغربية، الوفية لمبادئ وقيم الأخوة والتضامن والتعاون، والمصممة على ارتياد كل الآفاق الممكنة من أجل إغناء وإثراء العلاقات بين بلداننا وشعوبنا، عازمة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، على الانخراط في كل المبادرات الإيجابية الهادفة إلى تطوير الشراكة والتعاون بين بلدننا في إطار الاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام سيادة الدول ووحدتها.
وختم بنشماش مداخلته وسط تصفيقات التقدير والاعتبار من لدن الحضور قائلا “بما أننا نؤمن بقيمة وأهمية مثل هذه الحوارات بين القيادات العربية رفيعة المستوى من كل الآفاق والمدارس، فإننا نوصي باستمرارية وانتظامية هذه الفعاليات الحوارية، وسيكون المغرب ، بلدكم الثاني، سعيدا باستضافتكم”.