عبد الرزاق بوتمزار -le12.ma

بينما يواصل البعض السباحة ضد التيار و”تنزيل” سياسة العبث والإلهاء من خلال “خرجات” سمجة وغير مُضحكة بتاتاً في محاولة لتبرير المواقف التي ما فتئت “تُعرّي” حتى في هذا البرد القارس، وفي ظل السّواد الذي يلوح في أفق تسييرهم شؤون العباد، تتواصل أنباء الفواجع تباعاً.

من الدار البيضاء، وصل خبر عن مُشَرَّد (إضافي) يقتله برد الشارع. مواطن مغربي، يسائل مصيرُه المفجع، وقبل ذلك وضعُه، متشردا في ليل الدار البيضاء ونهارها، ضمائر القائمين على تسيير الشأن الوطني، بفرض وجود هذه الضمائر. ولكم أن تتخيلوا شخصا في هذا البرد القارس لا يجد إلا السماء غطاءً والأرض فراشا في مدينة “رطبة” وباردة مثل العاصمة الاقتصادية.

“لْمريس”، الذي كان يتخذ زوايا شوارعَ عين الشق ملجأ، وافاه أجَلُه المحتوم، مساء أمس الاثنين، بعيدا عن أضواء الكاميرات التي تترصّد “نجومَ” هذه الأيام.

جاء في ديوان العرَب، قيل في أبيات نُسبت إلى عمرو بن معد يكرب:
ألا غدرت بنو أعلى قديما
وأنعم إنها ودق المزاد
ومن يشرب بماء العبل يغدر
على ما كان من حمى وراد
وكنتم أعبدا أولاد غيل
بني آمرن على الفساد
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكنْ لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد..

وليسمحْ لنا صديقُنا الشّاعر قائل الأبيات أعلاه، أيّاً كان، بأن نتصرّف في إحدى الكلمات، بالتعديل و”التحيين”، بأن نعوّض “بنو أعلى” باسم “القبيلة” الحاكمة ونترك الباقي “كما هو”، بما فيه الغدر والشّرب والوِرد والفساد واللاحياة والنار والرّماد…

قبل فترة عايشتُ قصصَ مشرَّدين في الأحياء الخلفية للمدينة -الغول، وعاينتُ نهاياتٍ مأساوية لبعضهم، وكان منهم “صديقٌ” لي معروف بلقب “عْصفورْ” استفاق الحيّ يوماً واستفقتُ على وقع نبأ “موته بْالبرد”. كتبتُ عن “عصفور” وكتبوا غير “عصفور” ممّن يموتون في زمن “صقور” من ورق عرفت كيف تأكُل لحمَ الكتف وتترك “الغاشي” يدبّر لْراسو، يْعيش وْلاّ يمُوتْ، حْنا مالْنا، شغلنا؟..

“لمريس” كان الضحيةَ الثانية للبرد في عين الشّق في الفترة الأخيرة، حسب جمعية محلية تعنى بالأشخاص بدون مأوى. وإذ تُشكَر للجمعية مبادرتُها المواطنين إلى “توفير الغطاء وأماكن المبيت للمشردين”، والذين لن يتأخّروا في الاستجابة للنداء، من باب التضامن الذي يُعرَف به المغاربة، يُطرَح السؤال: أين القائمون على الشأن المحلي في مدينة من حجم الدار البيضاء؟ أين مقارَبة القرب ونحنُ سوف نقوم وسوف نفعل وسوف وسوف؟… أين المحاسبة وتخليق السياسة والكلام “الكبير”، الذي بيع به الوهمُ للناس ذاتَ حملة انتخابية؟!

كأسك يا وطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *