*جمال اسطيفي

على مقربة من فندق الإقامة بطوكيو ثمة منتزه قريب، قررت بمعية بعض رفاق الرحلة أن نتوجه إليه، بعد أن وجدنا أبواب مطعم مكسيكي قد أغلقت..

الهدوء يخيم على المكان، بينما شاباتان وشاب يابانيون يلهون ويمرحون وهم يتبادلون ركل الكرة..

خلفهم، كانت مجموعة أخرى تمارس الرياضة بشكل جماعي..

كان المشهد رائعا وانسيابيا، ليس فيه أي ذرة تكلف..فجأة ستصل إلينا الكرة، فما كان من إحدى الشابات إلا أن اعتذرت بلطف تسبقها ابتسامة طفولية، مع الانحناءة اليابانية المعهودة..

كنت ورفاقي نتبادل اطراف الحديث، ونتحدث عن المساحات الخضراء في بلد مساحته تعادل تقريبا نصف مساحة المغرب، وتلك قصة أخرى سأعود لها في حلقة أخرى…

اخدنا الحديث إلى مساحات شاسعة واسئلة مقلقة، وصداع من المقارنات..

في المنتزه ثمة الكثير من الدراجات الهوائية التي تركها اصحابها دون ان يحتاجوا إلى ربطها بسلسلة او قفل، أو البحث عن صاحب جيلي أصفر يتولى أمر  حراستها، خوفا من أن تطالها يد سارق أو يعبث بها حاقد..

في هذا البلد السعيد يمكن ان تترك دراجتك الهوائية وأغراضك، بلا خوف أو وجل، فأنت في بلد الأمن والأمان. أنت بكل تأكيد في جنة الأرض..

 من بعيد كانت دراجة هوائية في طريقها إلينا، كان صاحبها يتفحص الوجوه من بعيد ويصيخ السمع، والفرح يكاد ينط من عينيه..

فجأة سيوقف دراجته، وسيلقي علينا بالتحية قائلا:” السلام عليكم”..

عبر الرجل عن فرحته الكبيرة للقائه بمواطنين عرب، لكن فرحة الرجل ستتضاعف، عندما علم أن الأمر يتعلق بمغاربة يقتسم معهم الانتماء لنفس البلد..

هذا الشخص  الذي يحمل اسم عبد الله، هو مغربي من تارودانت.. امازيغي الانتماء، أخبرنا أنه لم تتح له منذ سنوات الفرصة ليتحدث باللهجة المغربية، ففي اليابان لا يلتق بالمغاربة كثيرا، كما أن عددهم قليل جدا..

لم يمل من الحديث معنا، قبل أن يستأذن في الانصراف للحظات، ثم فوجئنا به وهو يجلب المشروبات الغازية وقنينات المياه..

كانت تلك طريقته التلقائية في الترحيب بأبناء بلده، وبريحة البلاد..كانت تجسيدا لتمغربيت..

عبد الله جاء إلى اليابان قبل ست سنوات، وهو متزوج من يابانية،قضى فترة في فرنسا، لكنه وجد راحته في هذا البلد..

يتحدث بإعجاب عن اليابان واليابانيين، ويشرح كيف أن هذه الدولة تشجع من يجتهد، ومن يخلص في عمله…

الصدق والنظافة والأمانة في اليابان هي بحسبه منظومة قيم، إما أن تنضبط لها، وإما ستجد نفسك خارجها، وسيفوتك الركب..

يعترف عبد الله الذي يتحدث اليابانية بطلاقة بأن الحنين يشده إلى المغرب، ويشده إلى الوالدين، لكنه يشير إلى أن ظروف السفر في زمن كورونا اصبحت صعبة، إضافة إلى بعد المسافة.

 يلخص قصة مجيئه إلى اليابان بقوله:” إنه القدر، فلا احد يعلم ما تخبئه له الأيام، ولا أين ستقذف به رياح الزمن”..

طال الحديث مع عبد الله كثيرا، فالرجل بدا مشتاقا لريحة البلاد والحديث بلهجتنا، ولم ينصرف إلا بعد أن رافقنا إلى الفندق..

عبد الله المغربي القح، والرجل الذي تسبقه طيبوبته وعفويته، يلخص الجزء الجميل  من المغاربة الطيبين والكرماء، الذين ينحثون الصخر ويتحدون ذواتهم ليحققوا شيئا لأنفسهم وعائلاتهم..

*ناقد رياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *