تقي الدين تاجي

تماماً كما قال جورج أورويل في روايته 1984 “لا يمكن الإحتفاظ بالسلطة إلى الأبد إلا عبر التوفيق بين المتناقضات”.

ويبدو أن هاته المحصلة، هي التي توصلت إليها، عبقرية قادة البيجيدي، الذين لم يجدوا أي حرج، أمس السبت، في الجلوس الى طاولة واحدة، مع حزب “البام”، الذي ظلوا يعتبرونه الى غاية الأمس القريب، رمزا لـ “التحكم”، ومفسدة كبرى من مفاسد الحياة السياسية.

فما الذي تغير، حتى يظهر أمين عام البيجيدي مبتسما، إبتسامة عريضة، “من الأذن إلى الأذن”، وهو بصدد أخذ صورة تذكارية عقب توقيع إعلان التنسيق/ التحالف بين الحزبين الغريميين ؟

لا شك أن منطلق الجواب عن هذا السؤال، سيقودنا هاته المرة، إلى ما قاله جورج أوريل في كتابه “مزرعة الحيوان”، “إن السلطة هي إذلال وإنزال الألم بالإنسان. وهي أيضًا تمزيق العقول البشرية إلى أشلاء ثم جمْعها ثانيةً وصياغتها في قوالبَ جديدة من اختيارنا..”

ويبدو أنه قد آن الأوان، لتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فالحزب الذي ظل يقدم، نفسه “منافحا” عن قيم الحداثة والديمقراطية والتنوير، محاربا للأديولوجيات الماضوية، ومحاربا للاسلام السياسي، هو نفسه الذي رأيناه، مهرولا لطلب القرب من هؤلاء الذين جاء  لمحاربتهم،  أملا في تحقيق، نصر مفترض خلال الانتخابات المقبلة، وكأن بلسان حاله يردد المثل العربي القائل : “من جاور السعيد يسعد.. ومن جاور الحداد ينكوي بناره” وفي رواية أخرى “من جاور العطار فاح بعطره ومن جاور الفحام نال السوائدَ”.

وهنا تحديدا، ينبري مصطلح “الإنتهازية السياسية”، بارزا بالبنط العريض، معوضا رمز “التراكتور”.

وعلى الجانب الآخر، يأتي الحزب الحاكم، الذي أرغد وأزبد، وأقام الدنيا ولم يعقدها احتجاجا على “القاسم الانتخابي”، متهما أحزاب المعارضة التي دافعت عنه، وضمنها طبعا “الاصالة والمعاصرة”، بـ”محاولة لي عنق القوانين”. هذا الحزب هو نفسه الذي عاد ليقوم هاته المرة،  بلي عق المنطق، بإحتضانه لحزب إتهمه قبل أسابيع قليلة فقط بلي عنق القوانين، وتهديد الإرادة الشعبية الحرة للناخبين، والتلاعب بآلية من آليات الديمقراطية” وفق تعبيره

وهذا طبعا لا يمكن، تسميته إلا بـ “النفاق السياسي”.

ومن هنا يكون التنسيق المذكور بين الحزبين الغريمين، هو في الأصل تحالف بين “الإنتهازية السياسية” و “النفاق السياسي”.

والواقع أن مثل هاته التحالفات، لا يمكن الا أن تساهم، في إفراغ “العملية السياسية برمتها من معناها”، إلى جانب العمل على تكريس “إنعدام ثقة المواطن في الأحزاب”، والذي يؤدي بدوره إلى تفريغ المواطن من مواطنته، وإصابة الديمقراطية – التي يدعي كلا الحزبين الدفاع عنها – في مقتل. كما يقول الشاعر.

والأغرب في كل ذلك، أن يُعبر الحزبين في البلاغ المشترك بينهما، “عن رفضهما لكل الأساليب الساعية إلى المساس بنزاهة وحرية الاقتراعات خصوصا عبر أساليب الاستعمال المريب للمال الانتخابي وكذا استعمال بعض أدوات الترغيب والترهيب ضد بعض الفاعلين الحزبيين”.

والواقع، أنه إذا كان من شيء يمس بنزاهة وحرية الاقتراعات، فسيكون لاشك هو مثل هاته التنسيقات والتحالفات الهجينة، التي تضرب عرض الحائط بالمنطق السياسي، بتبنيها لممارسة براغماتية/ مكيافيلية، لا يهمها أي شيء آخر، في سبيل الوصول الى السلطة أو الاحتفاظ بها، وهذا ولا شك يتناقض مع مخرجات، التقرير حول النموذج التنموي، الذي نقل إستياء المواطنين، من مثل هاته الممارسات السياسوية، التي تعود الى عقود خلت من تاريخ العمل السياسي والحزبي بالمغرب.

ولعل من الحكم البليغة، التي تعلمناها في المدرسة، منذ الطور الابتدائي : “استنجد غريق بغريق فغرق الجميع”، وهو نفسه العنوان الحقيقي، للتنسيق/ التحالف، بين هذين الحزبين، “الانتهازي” الطامح الى تذوق الكعكة الحكومية لأول مرة في تاريخه، و”المنافق” الساعي، الى الحفاظ عليها بعدما استطاب حلاوتها على مدى عشر سنوات كاملة..فهل هذا تحالف ؟ لا طبعا، إنه انقضاض جماعي على الفريسة، حتى لا تفلت من أيديهما ويفوز بها الآخرون.

رحم الله مبتكر فكرة تأسيس البام مانديلا المغرب إدريس بن زكري، وهو ميت ، ورحم الله عبد العزيز أفتاتي مدفعية البيجيدي ضد حزب التراكتور وهو حي يمشي بين الناس..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *