يونس مجاهد(كاتب صحفي)

ما هي حدود الدجل والنصب والإحتيال في ممارسة ما يسمى “الرقية الشرعية”؟ من المؤكد أن لا أحد يمكنه أن يجيب عن هذا السؤال بدقة ووثوقية، لأن الأمر لا يتعلق بمسألة علمية ملموسة، مبنية على دلائلَ وحجج مختبرية تجريبية، بل بمعتقدات وتأويلات للدين، تسمى العلاج بالقرآن، في الوقت الذي نعرف أن الكتاب ليس مدونة طبية يحتضن مقومات تشخيص المرض، من تحليلات وفحص بالأشعة ووصفات طبية لكل مرض، بناء على نتائج التشخيص، وصناعة الدواء، إلى غير ذلك من التطور الذي عرفه الطب الحديث.

 

غير أن “الراقي الشرعي” يقدم نفسه كجامع مانع لكل هذه التخصّصات ويدّعي أنه يعالج “ما حار فيه الأطباء”، بل يتجاوز ذلك إلى صراع مع الجن والعفاريت، وانتصار عليهم، بكل أنواعهم وجنسياتهم المختلفة، وصدّ العين والحسد وجلب الحبيب… وقد منح أحد الرقاة لنفسه، في تصريح لإحدى القنوات الإلكترونية، نجاحه في علاج طفل كسيح، بعد أن فشل الأطباء في ذلك!

 

ومن المعلوم أن هذه الممارسات ليست جديدة على مجتمعنا أو على مجتمعات أخرى، غير أن الدرجة التي وصلتها، بفعل تأثير انتشار ثقافة الدجل الآتية من بلدان المشرق، وخاصة من الخليج، جعلت هذه المهنة تزدهر في المغرب، لتتجاوز مجرد ممارسة معزولة لبعض الفقهاء في الأحياء الشعبية وأسواق البادية، بل أصبح الأمر يتعلق، اليوم، بـ”عيادات” مفتوحة ومجهَّزة وبإشهار، عبر التكنولوجيات الحديثة في التواصل، لقدرات الراقي وتخصصه في صرع الجن والقيام بمختلف أنواع الدّجَل؛ فتناسلت هذه الظاهرة، كما تناسلت فضائحها، خاصة الاستغلال الجنسي للنساء.

 

والأدهى من كل هذا هو أن تتحول بعض الإذاعات الخاصة وبعض القنوات الإلكترونية إلى فضاء لترويج مهنة الشعوذة، باسم الدين الإسلامي والقرآن، الذي لم يدّعِ أبداً أنه كتابُ طب، بل هو حامل لرسالة روحية أخلاقية وعقيدة دينية، وليس مدونة علاج…

 

من الواضح، من خلال التطور الذي عرفه هذا الوضع، أننا أمام عمليات نصب واحتيال يُستغل فيها الناس، وهم في حالة ضعف جسدي ونفسي، لاستنزاف جيوبهم. بل هناك من هؤلاء الدجالين من يتجاوزون ذلك للاعتداء الجنسي على النساء، وكل هذا يمثّل جرائم لا يمكن السكوت عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *