سعيدة شريف
أعلنت المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة والشباب والرياضة (قطاع الثقافة) بمدينة مكناس، عن إحداث مؤسسة ثقافية تحمل اسم “مؤسسة حسن المنيعي للبحث المسرحي”، كما دشنت قاعة بالمركز الثقافي محمد المنومني تحمل اسمه، وذلك تكريما لعميد النقد المسرحي المغربي، الدكتور حسن المنيعي الذي وافته المنية في 14 نونبر2020.
وقد جاء هذا الإعلان في الحفل التأبيني الذي نظمته المديرية مساء يوم الجمعة 11 يونيو 2021 بالمركز الثقافي محمد المنوني مكناس، بحضور عائلة الراحل وأخيه التوأم الحسين المنيعي، ومجموعة من أصدقائه وطلبته، وكل الذين يحبونه ويعترفون له بالفضل الكبير على الدرس المسرحي بالمغرب، وجليل العطاءات المسرحية الوازنة على مستوى البحث والنقد المسرحي مغربيا وعربيا.
وفي تصريح لموقع “le12.ma”، ذكر المسرحي المغربي بوسلهام الضعيف مدير المركز الثقافي محمد الفقيه المنوني بمكناس، أن المدينة الإسماعيلية ستحتفي بهذا الهرم المسرحي بالأشكال التي تليق به، حيث سيتم إطلاق اسمه على إحدى البنايات بالمدينة التي ستكون مؤسسة ثقافية في المستقبل، كما سيتم الاهتمام بمؤسسته التي ستشرف عليها عائلته بتنسيق مع أصدقاء المسرحي الراحل.
وأضاف الضعيف أن عطاء حسن المنيعي، أو “ابا حسن”، كما يفضل الكثيرون مناداته، لم ينقطع حتى بعد وفاته، فقد أهدت عائلته مكتبته العظيمة إلى المركز الثقافي محمد المنوني وذلك حتى يستفيد الطلبة من تلك الذخيرة العلمية المهمة، التي سبق واستفاد منها العديد من طلبته وأصدقائه، حيث كان كل من يحج مدينة مكناس من الباحثين المسرحيين يقصد بيته، ولا يعود إلا وهو محمل بالكتب والمراجع.
وفي كلمته بهذه المناسبة، ذكر الأخ التوأم للمسرحي الراحل حسن المنيعي، الحسين المنيعي، أنه على الرغم من الصعوبات التي واجهت الراحل في مساره الأدبي والتعليم الجامعي، “ظل صلبا في عمله وجدارا منيعا بل وجبلا شامخا كجبل “ثهلان” أو جبل “الأطلس الكبير”، لا يقبل كل ما هو رديء، همه الوحيد الجودة في التعليم والكتابة والنقد. ومع كل صرامته في العمل، تميز المرحوم مع عائلته وأهله وأقاربه بحبه وإخلاصه لهم وبخدمتهم وبحثهم وتشجيعهم على الجد والعمل الدؤوب للحصول على أوفر المعرفة وأحسنها”.
وأشار الحسين المنيعي، في كلمته المؤثرة، إلى أن الراحل حسن المنيعي “تحمل مرضه بصبر داعيا المولى عز وجل ألا يصبح عالة على أهله ويتسبب في إرهاقهم، ولم يستسلم أبدا للألم. وكرده لأحد الصحافيين عن أحسن كتاب قرأه في حياته بقوله “القرآن الكريم”، أبى إلا أن يتابع كل يوم قراءة بعض السور كما تابع قراءته العادية للكتب مستعينا أحيانا بأحد أفراد الأسرة. وكان حتى آخر رمق من حياته مخلصا ووفيا لدينه كما دافع عن وطنه في كل المناسبات والملتقيات والندوات، وحرص على أن يكون دائما من بين أحسن المثقفين الذين يمثلون المغرب خارج الوطن”.
وأضاف الأخ التوأم للراحل حسن المنيعي قائلا: “أخي حسن: إذا كنت كما يصفوك “رائدا من أهم رواد الحركة النقدية المسرحية في الوطن العربي، ومرجعا من أهم مراجعها الفكرية، والمحب والمدافع الشرس لنشر الثقافة التي هي مصدر كل ازدهار اجتماعي واقتصادي”، فأنا أشهد ومعي سائر الأهل والأحباب، أنك كنت بين ذويك بسيطا وساذجا في حياتك وهندامك وتعاملك، وكنت لنا أعز الخلق وأطيبه، أسعدتنا وأسعدت صغيرنا وكبيرنا”.
وختم كلمته بسرد ذكريات من سن شبابه ومراهقته، حيث قال: “لقد كان زهرة يانعة تتضوع عطرا وتفوح عبيرا، عبير ثقافة متعددة اللغات. تطوع للعب أدوار مسرحية بالمدرسة الابتدائية والثانوية وبفرقة العمل المسرحي للهواة بمكناس، كما كان خير قدوة لرفاقنا، فأحسن لعبة كرة القدم كظهير أيمن ذاع صيته بقسم الصغار لفريق “الرشاد المكناسي”. تقلد مهام نبيلة كمرشد في المخيمات الصيفية فمكون للمرشدين، وساهم في التدبير المحكم لفريق النادي المكناسي للسباحة. لم يدع ميدانا ثقافيا إلا واقتحمه، وساهم في تأسيس “جمعية البعث الثقافي” ثم أصبح عضوا في اتحاد كتاب المغرب وهو لم يبلغ 21 ربيعا، وأنا لا زلت أدرس بفرنسا حتى علمت أنه أصبح، بعد حصوله على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، أستاذا بثانوية المولى إسماعيل (مكناس) يدرس رفاقا لا يبعد سنهم عن سنه بأكثر من 2 أو3 سنوات، لعبوا معه كرة القدم أو شاركوه تظاهرة ثقافية بدار الشباب بشارع “روامزين”. وكما يعلم الكل فقد أصبح، بعد حصوله على شهادة الدروس المعمقة، أستاذا جامعيا مساعدا فأستاذا للتعليم العالي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله “ظهر المهراز” بعد حصوله على الدكتوراه السلك الثالث والدكتوراه الدولة من جامعة السوربون بباريس (فرنسا). تضاعفت مقالاته وترجماته في الصحف والمجلات الوطنية والأجنبية وتعددت مؤلفاته ليصبح كاتبا وناقدا مرموقا ومحاضرا معطاء وأبا لكل الأجيال”.
وإلى جانب الأخ التوأم للراحل حسن المنيعي، ساهم في إحياء حفل التأبين كل من الباحثين: عمر حلي، وبنيونس عميروش، وحسن يوسفي، ومحمد بلهيسي، الذين ألقوا كلمات وشهادات في حق الراحل.
https://youtu.be/6LhyWnIbTLE
وحسن المنيعي، من مواليد مدينة مكناس سنة 1941، تابع دراساته العليا بكل من جامعة محمد الخامس بالرباط، وجامعة السوربون بباريس، حيث كان من الأوائل الذين حازوا شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون في المجال المسرحي. اشتغل أستاذا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد بن عبد الله، كلية الآداب ظهر المهراز بفاس. بدأ بنشر مقالاته وأبحاثه منذ سنة 1963، وواصل عمله بإصدار العديد من الكتب والدراسات من قبيل: “أبحاث في المسرح المغربي” 1974، و”هنا المسرح العربي، هنا بعض تجلياته” 1990، و”المسرح والارتجال” 1992، و”المسرح المغربي، من التأسيس إلى صناعة الفرجة” 1994، و”المسرح والسيميولوجيا” 1995، و”الجسد في المسرح” 1996، و”المسرح مرة أخرى” 1999، و”قراءة في مسارات المسرح المغربي” 2003، و”المسرح الحديث إشراقات وخيارات” 2009، و”حركية الفرجة في المسرح.. الواقع والتطلعات” 2014، و”عن المسرح المغربي: المسار والهوية” 2015.
وإضافة إلى كتاباته المسرحية النقدية، أصدر الدكتور حسن المنيعي، رحمة الله عليه، مجموعة من الكتب في النقد الأدبي والتشكيل والرواية، كما أصدر مجموعة من الترجمات العربية لمسرحيات عالمية، ولدراسات نقدية مسرحية لكتاب عالميين، حيث ستظل هذه الذخيرة العلمية منارة لكل الطلاب والباحثين في درب المعرفة، التي أخلص لها الراحل، ولم يقايضها بمنصب سام ولا حتى منحة مادية، لأنه رفض حتى عرض عمادة الجامعة، قبل أن يتقاعد عن الدرس الجامعي بسنوات، ويخلص لدرس الحياة المعرفي الذي قربه من الناس، وأخرج اسمه من أسوار الجامعة، لأنه آمن بأن المسرح أداة تثقيف بامتياز، وأداة للنهوض بالمجتمعات ودعمها حتى في الفترات التاريخية الحرجة.