le12.ma
يستحضر فيلم “حياة مجاورة للموت” في مقدمته وبشكل مقتضب السياق العام لاحتلال الصحراء المغربية من طرف الاستعمار الإسباني سنة 1884، وتقسيم مجاله الترابي بناء على معاهدات واتفاقيات بين فرنسا واسبانيا ما بين سنة 1900 و1904 و1905، مع الإشارة لأهم معارك المقاومة بالصحراء منذ 1913 وإلى نضالات جيش التحرير بالجنوب، وخطاب محمد الخامس بمحاميد الغزلان، الذي حذر من خلاله الاستعمار الفرنسي من مغبة تشكيل دولة للبدو الصحراويين تكون عاصمتها تندوف، مع الكشف عن وثائق نادرة، تبرز أن الجزائر ستتبنى هذا المخطط في سنة 1967 كما تشير إلى ذلك رسالة سرية موجهة من السفير الاسباني بالجزائر إلى وزير الخارجية الاسباني بمدريد ، في هذه الوثيقة يتحدث سفير إسبانيا عن فحوى لقائه مع مدير الشؤون القانونية (في وزارة الخارجية الجزائرية).
يقول السفير في نص الرسالة أنه عقد لقاء عمل مع مدير الشؤون القانونية من أجل استكمال النقاش حول المشكلة الصحراوية التي كانت محور آخر لقاء له مع الوزير بوتفليقة.
ويشير السفير إلى أنه ناقش معه الوضعية التي نتجت عن آخر قرار للأمم المتحدة والمواقف التي اتخذتها الأطراف المعنية. ويضيف بأن مدير الشؤون القانونية أكد له بأن المغاربة سيستمرون في الضغط انطلاقا من منطقة طرفاية التي تم استرجاعها خلال استقلال المغرب والتي أصبحت بحسب الجزائريين كقاعدة من أجل المطالبة بالصحراء الإسبانية وموريتانيا.
وأبرز السفير الإسباني في نص الرسالة بأن مدير الشؤون القانونية أوحى له بأنه في حالة اعتداء مغربي على الساقية الحمراء، فإن الجزائر لن تبقى مكتوفة الأيدي.
أما في ما يخص موريتانيا، فإن موقفها، يقول السفير، يبدو أنه لم يطرأ عليه أي تغيير بالرغم من وجود بعض الإشاعات، ولكن يضيف السفير، بأن مدير الشؤون القانونية يعتقد بأن الموريتانيين ليست لهم مصلحة في التقسيم مع المغرب، لأنهم يعرفون بأن الجزائر لن تقبل بهذا الحل.
ويتحدث السفير في موضع أخر بأن هناك توافق في المصالح بين الجزائريين والإسبان فيما يخص المشكلة الصحراوية، ولكن السفير يرى بأن هذا الأمر لا يمنع من دراسة الهدف النهائي الذي يسعى له الجزائريون.
ويعتبر السفير بأن الجزائر تخفي طموحاتها بإبداء عدم اهتمامها,,,
ويؤكد السفير بأن الجزائر تحاول أن تعالج مسألة الركيبات وتعتقد بأنها تستطيع أن تحقق شيئين اثنين:
1- أن تجعل من تندوف عاصمة الركيبات؛
2- أن تجعل من تندوف والساورة محورا لكل المناطق التي تقطنها الركيبات بطرفاية، الساقية الحمراء، وادي الذهب وموريتانيا.
وإلى جانب هذه الوثيقة تناول الفيلم ظروف وملابسات السياق السياسي لتنازل النظام المغربي عن منطقة تندوف لفائدة النظام الجزائري، مع إبراز تشبث ساكنة المنطقة بجنسيتهم المغربية، كما تشير إلى ذاك وثيقة رسمية فرنسية واردة من مصلحة التوثيق الخارجي ومحاربة التجسس (SDECE) حاليا المديرية العامة للأمن الخارجي DGECE))، بأن ما أثار انتباه السلطات الفرنسية بتاريخ 16 ماي 1962، هو أن سكان تندوف لا يرغبون بالمشاركة في الاستفتاء الشعبي حول تقرير مصير الجزائر الذي قررته فرنسا في عهد ديكول، وذلك بسب أنه: “يستحيل بالنسبة لهم أن يتخلوا عن جنسيتهم المغربية، وأنه من غير الممكن لهم أن يذلوا بأصواتهم”.
ويسلط الفيلم الأضواء على محاولات عدة للنظام الجزائري الهادفة إلى خلق بؤرة لخنق النظام الملكي بالمغرب، وذلك بإقدام الجزائر على تأسيس تنظيم “الرجال الزرق” سنة 1970 الذي نادى بالانفصال، ثم عاد ليتبنى الأطروحة المغربية، معلنا عنها في رسالة رسمية موجهة للأمم المتحدة سنة 1975. إضافة إلى استمالة الراحل محمد باهي المعارض المغربي، لزعامة تنظيم سياسي صحراوي، بهدف خلق دويلة صحراوية، وهو ما رفضه الراحل كما جاء في مذكراته، هذا فضلا عن الضغوط التي كانت تمارسها المخابرات العسكرية الجزائرية على اللاجئين والمنفيين وقدماء المقاومين المقيمين آنذاك فوق التراب الجزائري لأجل مسايرة أطروحاتها، وكان من ضمنها محاولة دفعهم لتأسيس إذاعة خاصة بوهران موجهة ضد المغرب وتروج في الآن نفسه لأطروحات الانفصال، وهو ما رفضه المقاوم الراحل الحسين الخضار، الذي أجاب رجل المخابرات الجزائرية هوفمان، بالمثل المغربي الدارج “واش يمكن تعض ودنيك” إذا كان في إمكانك ذلك، “فنحن أيضا يمكننا خلق إذاعة فوق تراب بلدكم موجهة ضد بلادنا. الصحراء كنت ممن ناضلوا من أجلها وسالت دماء رفاقي فوق ترابها”.
كما يستحضر الفيلم في السياق ذاته، تصريحات لمغاربة كانوا معارضين للنظام المغربي، قصة تأسيس البوليساريو وملابسات العلاقة مع ليبيا والجهة المغربية التي سهلت هذا التواصل، وكيف ستكتشف الجزائر التنظيم بعد اعتقال مصطفى الوالي فوق أراضيها وتعريضه لشتى أنواع التعذيب، وكيف تطور موقف الحركة من مطلب الاستقلال إلى مطلب الانفصال، مع الإشارة إلى ما تمخض عن المؤتمر الثاني لجبهة البوليساريو من إبعاد وعزل لمصطفى الوالي، الذي ستنتهي به الوفاة في ظروف غامضة.
ويبرز الفيلم كذلك من خلال مذكرات الراحل مغربية الصحراء بالقول “أن الأقاليم الصحراوية ظلت دائما خاضعة كباقي الأقاليم المغربية للسلطة المركزية”.
ضمن هذه المقاربة يضع الفيلم المشاهد بناء على معلومات ووثائق دقيقة، بأن صلب النزاع كان ولا يزال مع النظام الجزائري، الذي هيأ لبناء المخيمات سنة 1974 بتجميع رعاة الصحراء في تندوف، ثم تطور إلى مستوى أعنف تمثل في التهجير القسري والاختطافات في صفوف الساكنة منذ الإعلان عن مبادرة الملك الحسن الثاني تنظيم المسيرة الخضراء، وما ترتب عن ذلك من مآسي اجتماعية، الزواج القسري، الاعتقال الأعمال الشاقة، الموت تحث التعذيب، إلى غيرها من الأشكال الماسة بالكرامة الإنسانية، والتي ستعترف بها الجبهة من خلال وثيقة عرضها الفيلم تتحدث عن خروقات حقوق الانسان بمخيمات تندوف، فضلا عن اعتراف محمد عبد العزيز في مؤتمر للجبهة سنة 1992 بقيام الجبهة بقتل 58 صحراوي.
كما يشير الفيلم إلى عدد من التجاذبات التي تجسد تدخل عدد مهم من الأطراف الخارجية في هذا النزاع، ومن ضمنها وثيقة للمخابرات الأمريكية تعود لسنة 1985، أفرج عنها مؤخرا، قد تكون ضمن وثائق عديدة لم يكشف عنها لحد الآن.
وتشير الوثيقة إلى الضغط الذي كانت تمارسه المؤسسة العسكرية الجزائرية على الشاذلي بن جديد، لحثه على خلق الإثارة والبلبلة داخل المغرب، لكن هذا الأخير كان يدرك أن المغرب أصبح متحكما في الوضع العسكري بعد بنائه للجدار الأمني، وهو ما جعل بن جديد يراهن على أشياء أخرى، حسب تقديرات المخابرات الأمريكية، كما جاء في الوثيقة: “لكن حسب تقدرينا، فإن دعم الجزائر المستمر للبوليساريو، ومناوشاتها الديبلوماسية ضد الرباط، تشكل الخطوات الأولى من مخطط بنجديد لمشاكسة الحسن الثاني نظرا لعناده بشأن الصحراء الغربية.
ومن المحتمل أن الجزائر تراهن على جعل النزاع في الصحراء مكلفا جدا لدرجة إجبار الحسن الثاني إلى حد ما يقبل بحكم ذاتي في الصحراء”.
وهو ما سيعبر عنه الرئيس الجزائري في 2001، بقوله:” نستطيع أن نقول ما هو الطريق الثالث – أي طريق ثالثة لا تدمر الحلم الشرعي للصحراويين وتأخذ بعين الاعتبار المصالح الأساسية للمغرب ودول المنطقة، من هنا سنكون أول من يوافق على هذا الحل”. تصريح عادت بعض الصحف المنابر الإعلامية للتذكير به على ضوء المستجدات الأخيرة لملف الصحراء…