تقي الدين تاجي*

تطبع العلاقات  الإسبانية -المغربية أجواء مشحونة منذ الموقف الذي تبنته حكومة بيدرو سانشيز عقب الاعتراف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على الصحراء، بما يشكله ذلك من تحول غير مسبوق، على مستوى التوازنات الجيوسياسية والجيواستراتيجية في المنطقة. 

وصرحت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانتشا غونزاليس لايا، خلال برنامج إذاعي على راديو “أوندا سيرو”، أن “إسبانيا ترفض تماما التوجه الأحادي في العلاقات الدولية، معتبرة أن ملف الصحراء من اختصاص الأمم المتحدة فقط، على تعبيرها” مشيرة “أن بلادها ستجري اتصالات مع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، من أجل التراجع عن قرار اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالصحراء المغربية.

وزاد تفاقمَ الوضع استقبال حكومة مدريد لزعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي بجواز سفر مزيف واسم مستعار، إبراهيم بن بطوش، وهو ما اعتبره “وزير الخارجية” المغربي، ناصر بوريطة، في مقابلة مع وكالة “إيفي” الإسبانية، موقفا غير مفهوم يمكن أن يؤثر بشكل خطير على العلاقات بين البلدين.” مؤكدا أن “المغرب لم يتلق إلى حدود اليوم “إجابات مرضية ومقنعة “على الأسئلة المتعددة التي وجهتها وزارة الخارجية المغربية إلى نظيرتها الإسبانية، والتي تمحورت، حول “لماذا تم إدخال المدعو إبراهيم غالي إلى إسبانيا بهوية مزورة ؟ ولماذا لم تخطر اسبانيا المغرب بهذا القرار ؟ لماذا اختارت القبول بهوية مزورة؟  لماذا لم يتفاعل نظام القضاء الإسباني بعد مع الشكاوى العديدة التي قدمها الضحايا؟

وأمام غياب إجابات شافية، تساءل الوزير عما إذا كانت إسبانيا ترغب في التضحية بعلاقتها الثنائية” مع المغرب؟”..

وفي ظل تصريحات المسؤولين الاسبان، وتصعيد لهجتهم، إزاء المغرب، ضاربين بعرض الحائط، المصالح المشتركة والمتشعبة التي تربط بلادهم بالرباط، يبدو السؤال مشروعا، هل دخلت فعلا العلاقات بين البلدين الجارين في أزمة؟

ويبدو أن المغرب قد استوعب جيدا، في تدبيره لعلاقاته الدبلوماسية، الدور الهام، لتوظيف نقاط قوته، في عمليات المقايضة والمقايضة المضادة، بما يعزز موقفه في الدفاع عن مصالحه العليا، وبالتالي انتقل من وضع الاستكانة الى واقع الامر، والاكتفاء بالبقاء كطرف خاضع لواحدة من أهم “اللعب” في العلاقات الدولية”، الى بناء علاقات متبادلة مع المجتمع الدولي على أساس المصالح.

وتعتمد “نظرية اللعبة” (Game Theory in International Relations) أو الصراع بين أطراف اللعبة في العلاقات الدولية “على تحليل إستراتيجية مواقف الصراع أي اعتماد إستراتيجية أحد الجوانب بشكل عام على توقعات الجانب لإستراتيجية الجانب الآخر، وذلك للتمكن من أقصى فرص الحصول على نتائج ملائمة وعليه يكون من الضروري وضع مجموع من القوانين أو القواعد المعقولة للتصرف”. ومن هذا المنطلق اختار المغرب نهج سياسة  “الهجوم عوض الدفاع”، وممارسة مزيد من تضييق الخناق، إزاء كل الدول التي تسعى الى مناوئة قضاياه الوطنية. 

لكن أجواء العلاقات بين البلدين قد تزداد تعكيرا، في ظل غياب حوار هادئ ومباردة جادة من اسبانيا، لتوضيح مواقفها الأخيرة، وفي مقدمتها تهورها باستقبال “ابراهيم غالي، بالتواطؤ مع عسكر الجزائر، على طريقة “عصابات المافيا” ودون اخبار مسبق للمغرب، كما يلزمها أيضا اعادة النظر في طرق تعاونها ورؤيتها للعلاقات المستقبلية مع المغرب، كبلد شريك، وليس مجرد دركي، في محاربة الهجرة غير الشرعية، بل كمخاطب وشريك مسؤول، فالمواقف في العلاقات الدولية تتغير وفق مفهوم المصالح الآنية والاستراتيجية. وهذا ما يتوجب على مدريد، استيعابه جيدا.

*صحفي متخصص في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *