هناك القنوات المستقلة التي ينشؤها المستثمرون في الإعلام وهناك القنوات العمومية التي تمولها حكومات الدول. وعندما تهاجم قناة مستقلة جهة ما فذلك شأنها، لكن عندما تقود الهجوم قناة عمومية أو شبه عمومية ممولة من أموال دافعي الضرائب فهي حتما تعبر عن موقف الدولة العميقة.

ولذلك فعندما يذهب مغربي للحديث عن شؤون بلده الداخلية في قناة الدوتشي فيلي أو فرانس 24 أو روسيا اليوم أو البي بي سي عربي أو الحرة أو TRT التركية أو غيرها من القنوات الممولة من طرف حكومات هذه الدول فعليه أن يعرف أن الخط التحريري لهذه القنوات يملى عليها من طرف موظفي الخارجية والأجهزة الأمنية التابعة للبلد الذي تبث منه.

هذه القنوات تم تأسيسها لخدمة أجندة محددة وهدف واحد ووحيد هو مصلحة الدول التي أنشأتها، وواهم من يعتقد أنها قنوات تلفزيونية عادية تبث الأخبار والتحاليل بتجرد وعن حسن نية، وأن حكومات تلك الدول تصرف بسخاء على تلك القنوات لمجرد تقديم خدمة إعلامية مهنية.

ومن يتابع مجرة هذه القنوات لابد أن يكون قد لاحظ أن قناة الدوتشي فيلي الألمانية الناطقة بالعربية تخصصت في الفترة الأخيرة لمهاجمة المؤسسات المغربية، وبشكل خاص المؤسسة الأمنية، وقد تكرر ذلك بشكل حاد يكشف رغبة واضحة في الإساءة، رغم المعلومات الحساسة التي سبق وقدمتها هذه المؤسسة للأمن الألماني والتي جنبتها حمامات دم، لكن يبدو أن برلين قررت أن تحتضن خلايا الإرهاب وفلول الهاربين من داعش لكي تمارس بهم الابتزاز والضغط. وهنا يجب أن تلعب الدبلوماسية المغربية دورها وأن تلجأ لكل المؤسسات القضائية للدفاع عن مؤسسات البلد التي تهاجمها هذه القناة بكل هذه العدوانية. 

والواقع أن المحتويات التي تقدمها قناة الدوتشي فيلي سواء عبر قناتها أو منصتها الرقمية تدخل في إطار الحرب الإقتصادية، فألمانيا لم تهضم كيف أنها شاركت في مناقصة مشروع الطرامواي ولم تستطع الظفر به وفازت بالصفقة شركة فرنسية، فخرجت تتهم السلطات بأن الصفقة كانت مفصلة على مقاس الشركة الفرنسية، وحتى عندما أعادت الكرة في مناقصة خط التيجيفي بين طنجة والدار البيضاء وفشلت في الحصول عليها كشرت عن أنيابها وكررت الاتهام نفسه.

واليوم نرى كيف تخوض ألمانيا بيد حربها بواسطة الدوتشي فيلي ضد المؤسسة المغربية، فيما تمد اليد الأخرى للحصول على صفقات الطاقات البديلة بالمغرب.

إن الأمر في نهاية المطاف يتعلق بعملية ابتزاز، وسواء تعلق الأمر باستغلال ملف معتقل سابق على ذمة الإرهاب سبق أن سلمته ألمانيا للمغرب أو تعلق الأمر باستغلال ملفات معتقلين على ذمة جرائم الحق العام فإن كل شيء يصلح بالنسبة لبرلين لممارسة هذا الابتزاز.

سوى أن المغرب قرر أن يوقف هذا المسلسل وأن يضع حدا لهذا الضغط، وأن يستدعي سفيرته في ألمانيا للتشاور، وهي في لغة الدبلوماسية إشارة إلى تعليق التعاون في جميع المجالات بعدما تمادت برلين في سياساتها العدائية ضد المغرب ولم تلتقط إشارة توقيف العلاقات مع السفارة الألمانية في الرباط قبل شهرين.

هذا الموقف الذي اتخذته الدولة المغربية يأتي في وقت تكالبت فيه علينا عواصم أوروبية أزعجها سقوط السوط الذي كانت تجلدنا به في ملف الصحراء من قبضتها.

والواقع أن الدولة المغربية ليس لها من خيار سوى الاستمرار في سياسة وضع النقاط على الحروف مع الشركاء الأوروبيين، لأن ازدواجية المواقف الذي تطبع سلوك هؤلاء الشركاء لن تفيد سوى في إطالة أمد ملف الصحراء، وهذا بالضبط ما يبحثون عنه، أن يستمر الملف عالقا لكي يستمروا هم في ممارسة الابتزاز أطول وقت ممكن.

*رشيد نيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *