رشيد مشقاقة*

“وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن”، صدق الله العظيم.

وأنا حزين يا ربي؛
حزين علی نفسي؛
حزین علی وطني؛
حزين علی من حولي.
وإني أکابد کي يذهب عني الحزَن…

حزین علی نفسي. ما استطاع الظلم أن ينال من صمودها ولن ینال. فأنا قوي بها. فهي کبیرة تتعب الجسد. لکنني حزین عليها. أتعبتها کثیرا.

تبدو الدنیا أمامي غریبة عما کانت بناظري. ما عاد للأشیاء الجمیلة البسیطة معنی. غامت الرٶية حتی تکاد تصیر ظلاما وصارت الأحلام سرابا والأماني هراء، أکذوبة من الأکاذيب… وأصبحت کلما رأيت الشمس فكّرتُ في السحب التي تطاردها..
واختفی القمر في الليلة الظلماء..
واستحال النسرين بوما وغرابا وخفاشا..
والورد إبرا وأشواکا. وخرير الماء صوتا نشازا في برکة آسنة..

وأنا حزين علی وطني..

أنا الذي أسعی إلی إصلاح ما فسد أنال جزاء سنمار..
أنا الذي أمیز بین الثری والثریا، کيف يولي ظهره ويخذلني؟
کيف يحلو له حديث من لا یسبح بحبه ویترکني؟ کيف تستهويه نیوب الليث؟!…

وکیف تختفي العنادل من سمائه وتحتلها الغربان؟ وکيف صار غابا وکان روضا من ریاض الجنّة؟ لماذا يعتکف بك الثقاة ویذوي عود المفکرین؟!

کيف یشهر عدّته: سیوف الحقد والضغینة والحسد، في ظهري ولا يناصرني؟

ولو شٸت أعلنت الحرب علیهم، ولکنْ لا فاٸدة من ذلك یا وطني، فهم أقویاء وأنا ضعیف. وما هم سوی مسیلمة وأبي دلامة. ما هم سوی دمی الواجهة. وما هم سوی ورثة عرقوب.
أنا فقط حزين علی وطني حين یصدّق هٶلاء الثعالب والذٸاب…

إنهم یتقدمون بك يا وطني إلی الوراء بخطی سریعة، لذلك أنا حزین علیکك حزن من لا یملك للداء دواء. من عينه بصيرة ویده قصیرة. من یٶذن في مالطة. مَن صيحته في واد سحيق.

بمقدار ما أحبك یا وطنی حزین علیك.
بمقدار ما أسمو بك حزین علیك.
بمقدار ما أراك حقيبتي وعکازتي وصندوق أسراري حزین علیك..
بمقدار حب الأم لأولادها أحبك يا وطنی وحزین علیك.
حزین علیك ممن يدسّون لك السم في الدسم ویطیحون بالجیاد..
ویحاربون من یعشقك حد العبادة…

وأنا حزین یا ربي علی من حولي.
علی المبتسمین، الفرحين فی ساعة الصفاء فقط.
علی خیوط العنکبوت.
علی أسوار السلاحف.
علی المتخلفین وقت الحضور.
علی الصرار ینعم بالغناء.
علی الأصداف والعلب الفارغة.
علی منتهزي الفرص.
علی هواة الیانصیب.
علی عقول العصافیر وأجسام…
علی المتمترسين خلف المناصب.
والضاحکین علی الذقون..
علی خرّیجي المسرح الوطني للثمثیل…
حزين علی کل هٶلاء.
وأشفق علی من یثق فيهم..
علی من یقبل منهم صكوك الغفران…

أنا حزین علی نفسي،
حزین علی وطني،
حزین علی من حولي.
وأرفع کفي إلی الله عز وجل وأقول مع الصابرین “وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن”.
فأذهب یا ربي الحزن عني.
فأنا أعبدك ولا أحمد علی مکروه سواك.
یا رب العالمین، أذهب عني الحزن، فما استطعت إلی ذلك سبيلا. یارب العالمین، یا ذا الجلال والإکرام.

*رٸيس المنتدی المغربي للقضاة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *