عبد الرزاق بوتمزار

“شاطئ الفنيدق يلفظ جثث شباب من ضحايا الهجرة”.. عنوان ما كان ليثير اهتمام أحد، فقد اعتدنا قراءة مثله من فواجع البحر في أبناء المغرب حتى لم يعد غرقُ أحدنا يثير اهتمام أحد، ولو كان الغرق جماعيا.. لكنّ ما يجعل العنوان “مثيرا” أن له علاقة بهجرة جماعية نفّذها العشرات من أبناء هذه المدينة التي تختنق تحت وطأة أزمة كوفيد وإنهاء التهريب المعاشي وإغلاق المعابر..

مدينة تختنق، شأنها في ذلك شأن كثير من مدن المغرب، وشباب يائسون من واقع لم تتحقّق فيه الوعود الوردية التي أُعطيت ذاتَ حملات انتخابية.. والآن، ونحن على بعد شهور من الانتخابات، عرّت هجرة الفنيدق الجماعية شجرة الأكاذيب ووضعت الحكومةَ أمام آخر تمظهرات “إنجازاتها” الكثيرة..

نزوح جماعي.. هناك خلل

طرح هذا “النزوح الجماعي” كما وُصفت هذه الهجرة غير المسبوقة، وفي عز رمضان وفشي الجّايْحة سعياإلى بلوغ الضفة الأخرى عبر سبتة، أن هناك خللا ما أو عددا من الاختلالات بالأحرى في تدير الشق الاجتماعي في السياسات الحكومية المتعثرة و”الغارقة” في الفشل، وليس في “الإنجازات”، كما يحاول رئيها إيهام نفسه.

اختلالات التدبير الحكومي، في مختلف المجالات، يمكن مساءلتها، بداية، من خلال التدابير المتخذة لحد ظاهرة الهجرة وأولا، وهذا هو الأهمّ، الإجراءات الحكومية من أجل توفير فرص عمل وبديل لسكان الفنيدق، لاسيما بعد وقف التهريب المعيشي وإغلاق معابر المدينتين السليبتين.

مظهر من مظاهر الأزمة الاجتماعية

لا يمكن قراءة هجرة شباب الفنيدق الجماعية في معزل عن الظاهرة في شموليتها. فمنذ سنوات، بل وعقود، ومنتهى آمال شبابنا هو الهجرة، ولو من خلال إلقاء أنفسهم في البحر، عرضة لمخاطر قروش الماء واليابسة. وهو واقع تكرّس بفعل سياسات حكومية غير جادة في إيجاد حل حقيقي للمسألة الاجتماعية، بدل مواصلة نهج سياسات الترقيع والارتجال غير المبنية على منطلقات ولا منهجيات ولا هي تتغيى تحقيق أهداف محددة، وموزاة مع ذلك مواصلة لعب دور “دركي أوروبا”، من خلال التصدّي لمحاولات شباب البلد، بل والقارة، من الإبحار نحو الضفة الشمالية. 


إذا كان من “حسنة” لهجرة الفنيدق الجماعية (أو الانتحار الجماعي كما وصفه البعض) فهي أنها حدثت ونحن على بعد شهور قليلة من نهاية حقبة الحكومة الحالية، إذ ستنظم انتخابات تشريعية ستفرز حكومة جديدة لعلّ الشق الاجتماعي سيكون احد الملفات الثقيلة التي سترث عن حكومة العثماني.

فش في تدبيـر المرحلة

عانت حكومة العثماني، وقبلها حكومة بنكيران مما يمكن وصفه بانقسامات داخلية أثرت سلبا على أدائها، ففشلت حتى في لعب دور “حكومة تصريف الأعمال”، ما ظهر جليا في تدبيرها للعديد من الأمور المتعلقة بالشأن العام، من الصحة إلى التعليم فالشغل والسكن وهلمّ قطاعات ومجالات ترزح تحت وقع أزمة تدبيرية حادّة تفضح البون الشاسع بين الوعود والإنجازات في أرض الواقع.

قرارات عشوائية لا تخضع لاية رؤية واضحة وشمولية وتناقض صارخ بين خطاب الحزب الذي يقود الحكومة وغياب تفعيل وعوده الانتخابية وتطبيق “البرنامج الحكومي” المزعوم.

الخطاب الشعبوي لا يكفي 

لم يكن المغاربة ينتظرون من حكومة “الإخوان” التي أغرقتهم في وعودها أن “تحارب” الفساد بخطاب شعبوي (الشفوي الله يداوي) بل من خلال التنزيل الفعلي لـ”الشعار” الذي رفعته بشأن “تخليق الحياة العامة”، الذي اتضح أنه لم يكن إلا مزايدات، انتخابوية فضحتها النتائج الملموسة.

لم تجد الحكومة إذن حلولا للمعضلات الاجتماعية ولم تعرف كيف تنهض بالقطاعات الحيوية (التعليم والصحة والتشغيل) التي لطالما ادّعت أنها تضعها  ضمن أولوياتها في… الشّفوي الله يداوي!.

فشل يخالف ما تعهّد به الحزب الأغلبي في الحكومة وهو يطلق وعوده بتحويل مطالب الاحتجاجات القطاعية إلى سياسات عمومية.. ناهيك عن التعاطي الحكومي مع الاحتجاجات التي شهدتها مختلف مناطق المملكة وجهاتها، ما  أجّ الاحتجاجات وفاقم  التوتر الاجتماعي.

توتر اجتماعي نتاج “ازدواجية” خطاب الحزب الذي يقود الحكومة تجاه العديد من المواضيع ذات الصّلة بالمعيش اليومي لفئات المجتمع، التي تم تجفيف جيوب طبقاتها المسبوقة وحتى المتوسطة من خلال قرارات لاشعبية، ليس آخرها “تماطل” الحكومة في إخراج المراسيم ذات الصِّلة بتفعيل الجهوية.

ودعونا نسائل الحكومة ونحن نودَع عهدها غير المبشر، على وقع فاجعة أو شوهة الفنيدق: “لماذا لم يتمّ تفعيل عدد من “الصّناديق” التي وعدت الحكومة بها، والمتعلقة بالجهوية المتقدمة، من قبيل “صندوق التأهيل الاجتماعي” و”صندوق التضامـن بيـن الجهـات”، الذي ضُخّ في ميزانيته 700 مليون درهم، رغم غياب قرار لتنفيذ هذا المرسوم.. ربما لو فُعَلت كل هذه الصناديق بالطريق الأمثل لأوجدتا مشاريع بديلة لكل هؤلاء الشباب المغاربة الذين لا يحلمون إلا بالهجرة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *