ع. م -le12.ma

سرد الأستاذ والكاتب سعيد ناشيد قصةَ “مطاردته” من قبَل مسؤول في حزب العدالة والتنمية، انتهت بطرده خارج الوظيفة العمومية، إثر مجموعة من العراقيل التي وجدها دوما في طريقه من “قوى الظلام”، كما سمّاها.

وقال ناشيد، في تدوينة في حسابه الخاص في فيسبوك: “قصّتي لا يعرفها سوى القليلين، حرصتُ على إخفائها لأني لم أكن أريد أن أبنيَ اسمي على أي شكل من أشكال التعاطف: 

أنا سعيد ناشيد.. عملت مدرّسا للفرنسية في الابتدائي سنوات، ثم أستاذا للفلسفة في الثانوي لسنوات، في مدينة فاس، ثم في مدينة سطات. كانت لي تجربة وإنجازات.. في فترة حكومة التناوب نجحتُ بجدارة، بدعم من العزيزة على قلوب المغاربة المرحومة آسية الوديع، وبدعم ثلاث منظمات حقوقية، في الحصول على منصب مدير تربوي في إحدى إصلاحيات المغرب، وذلك بعد أن وقع السيد وزير التربية الوطنية على قرار التعيين، في إطار شراكة مع وزارة العدل، لكن القرار اختفى في طريقه إليّ بلا أثر.

واصلتُ مهنتي في التدريس بهدوء، وبالموازاة خضت غمار الكتابة والتأليف، مقتنعا بأنه الطريق الذي لن يصدّني عنه أي أحد. وهكذا أصدرتُ كتابي الأولى “الاختيار العلماني وأسطورة النموذج” عن دار الطليعة بيروت. لكني تعرضت لضربات عصيبة، منها أني تخاصمت مع رجل سلطة كنت أكتري منه منزلا، فحملت متاعي وغادرت منزله بعد أن سلمته المفاتيح. لكنه انتظر عامين كاملين ليرفع دعوى قضائية تتهمني بعدم تسليمه المفاتيح، وبأن في ذمتي سومة كراء عامين كاملين.. ودون أن يدلي بالبينة فقد قضت المحكمة بأن أؤدي المبلغ كاملا (حوالي ثلاثة آلاف دولار). لم أكن أتوفر حتى على عُشُر المبلغ. وباعتبار الظلم، قلت: سأعصى الأمر، وقررت أيضا التوقف عن الكتابة. غير أن مفكرا عربيا اتصل بي من الخارج وألح عليّ لكي أتسلّم منه المبلغ وأضعه في المحكمة وأعود إلى الكتابة”. 

وتابع ناشيد: “عدت إلى الكتابة، وأصدرت كتابي الثاني، “قلق في العقيدة”، عن دار الطليعة، بيروت. لكن الضربة الموالية لم تتأخر، إذ قضت مديرية سطات بأن أعود إلى التدريس في الابتدائي في البادية بدعوى الحاجة إلى سد الخصاص هناك. ورغم تدخّلات ومراسلات مفتش مادة الفلسفة ومدير الثانوي، اللين دافعا عني باستماتة باعتباري -كما تقول إحدى مراسلاتهما التي لا أزال أحتفظ بها- قد جعلتُ التلاميذ يحبون مادة الفلسفة بعد نفور طويل منها، فإن المديرية أصرّت على قرارها، لأفاجأ بعد ذلك بمنعي من مغادرة التراب الوطني قصد المشاركة في الندوات الدولية التي كنت أتلقى الدعوة إليها، بدعوى أن عودتي للتدريس في الابتدائي تحرمني من هذا الحق!

بعد امتصاص الضربة واصلتُ الكتابة بقوة أكبر، فأصدرت كتابي الثالث “الحداثة والقرآن” عن دار التنوير بيروت لكن الضربة الموالية جاءت هذه المرة من المرض، إذ أصبت بثلاثة انزلاقات غضروفية في العمود الفقري، تُبينها تقارير الفحص الطبي، على أثرها فقدت القدرة على المشي مدة عام ونصف، عرفت خلالها أيضا ما الذي تعنيه كلمة الألم. 

قدّمت ملفا كاملا مكتملا لأجل الاستفادة من التقاعد لأسباب صحية، يتضمن الانزلاقات الغضروفية والحساسية والكلي، وهي كلها مشاكل عانيت منها طويلا. استفاد المئات ولم أستفد أنا، بلا مبرر طبعا! اضطررت إلى مواصلة العمل في ظروف صحية عصيبة. كافحت ما أمكنني ذلك من أجل التقاعد لأسباب صحية، كافحت من أجل حق مغادرة التراب الوطني للمشاركة في المؤتمرات التي أُستدعى إليها، كافحت من أجل حلحلة وضعي بأي شكل من الأشكال، لكن بدون جدوى”.

وواصل ناشيد سرد قصته المؤلمة: “بعد احتواء المحنة عدتُ إلى الكتابة لأصدر “دليل التدين العاقل”، عن دار التنوير في بيروت، و”رسائل في التنوير العمومي”، عن دار التوحيدي في الرباط، ثم ثلاثة كتب في الفلسفة، عن دار التنوير في بيروت هي، على التوالي: “التداوي بالفلسفة”، “الطمأنينة الفلسفية” و”الوجود والعزاء”.

ثم جاءت الضربة الأكثر قساوة، إذ استدعاني المدير الإقليمي إلى مكتبه، فوجدت معه شخصا آخر، سأعرف في ما بعد أنه أحد أبرز مسؤولي حزب العدالة والتنمية في المنطقة، ليخبرني أمام مسامعه بأنه سيحليني على أنظار المجلس التأديبي، لأن المريض -كما قال- لا يحقّ له أن يكتب أو ينشر أي شيء، بل يجب أن يتناول الدواء وينام! مضيفا أنه هو من سيعيّن الأعضاء الإداريين للمجلس الذي سيُعقد داخل إدارته، وأن العقوبة آتية بلا ريب. 

راسلت وزير التربية الوطنية، مطالبا إياه بالتحقيق في جلسة التهديد التي تمّت، في خرق للقانون، بحضور ممثل عن حزب العدالة والتنمية، والذي يعرف الجميع أني على خلاف فكري معه، مع احترامي للأشخاص… بعد ثلاث جلسات متتالية، قرر المجلس التأديبي عقوبة العزل النهائي عن الوظيفة العمومية، وبُعث القرار إلى رئيس الحكومة، الذي هو أيضا رئيس حزب العدالة والتنمية، والذي وافق فورا على العزل كما ورد في نص القرار”.

وتابع أستاذ “الفلسفة”: ” إداريا ومهنيا، ومنذ ما يقارب عشرين عاما، لا أتوفر على أي تقرير سيئ من طرف أي مدير أو مفتش أو أي رئيس من الرؤساء المباشرين، بل كل التقارير جيدة؛ لا أتوفر علي أي تغيّب غير قانوني على الإطلاق، على الإطلاق.. كل الشواهد الطبية التي أنجزتها مصادَق عليها من قبَل اللجنة الطبية المختصة؛ لم أقترف أية جنحة أو جريمة؛ لم أختلس فلسا واحدا؛ لم أغير المنهاج التعليمي؛ لم أتطاول على أحد؛ لم يسجل علي أي سلوك غير تربوي.. بل تلقيت التكريم في مؤسستي نفسها، كما في كثير من المؤسسات التعليمية. وأسهمت في إنجاز برامج للتفلسف مع الأطفال لفائدة مؤسستي ومؤسسات أخرى. كل الزملاء والمدراء الذين عملت معهم يشهدون بكفاءتي وأخلاقي. لذلك فإن قرار طردي من الوظيفة العمومية بصفة نهائية لا يفسره سوى كون جهات ظلامية نافذة تريد أن تراني أتسوّل، انتقاما مني لما أكتبه ورغبة في إذلال المشروع الذي أمثله.. كما أن الجهة المقابلة تخلت عن واجبها في حماية القانون. 

وختم أستاذ الفلسفة والمؤلف المغربي تدوينته الموجعة قائلا: “لقد أصبتم الهدف سادتي، أنا الآن أتسول بالفعل، وهذا ما أتسوله: 

أتسول بيانا تضامنيا باسم أية نقابة من النقابات التي اطّلعت على خلفيات الملف، وقد أبلغني كثير من أطرها صدمتهم واستياءهم.

أتسول مكانا عزيزا يحفظ لي قدْرا من كرامتي ولا تتحكم فيه قوى الظلام في أرزاق الناس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *