* كريم شوكري
تصريح مدوي أطلقه يوم أمس الملاكم الهولندي ريكو فيرهوفن على هامش لقاء صحفي نقله التلفيزيون الهولندي بخصوص فرضية مواجهته للبطل المغربي بدر هاري في الأفق المنظور، إذ جاء رد ريكو مستبطنا لقصف جارح اختزلته العبارة التالية: “على بدر هاري منازلة ملاكم ٱخر و الفوز عليه، بعدها سنرى”..
الأكيد أن الأمر لا يعدو أن يكون بالنسبة للعارفين بكواليس منظمة الغلوري، مجرد تكتيك تسويقي مندرج ضمن الخطاطات الصارمة التي عادة ما تهندسها شركات عملاقة مرتبطة بوثاق تعاقدي مع منظمة الغلوري Glory للتحكم في بورصة التباري، الأمر يتعلق طبعا بمؤسسات رائدة في مجال التسويق الرياضي لا تتخاذل في استرشادها بأحدث صيحات الذكاء الاقتصادي l’intelligence économique أو الذكاء التنافسي l’intelligence compétitive، مؤسسات لا تدع شيئا بين مخالب الصدفة و لا تترك أية تفاصيل إلا و أخضعتها لخبرة فائقة الإنضباط لمعادلة العرض و الطلب، مؤسسات بلغت أرقى مدارج الاحترافية في تصميم استراتيجيات منسجمة مع احتياجات السوق التنافسي و ملزمة بالتالي للأبطال المتعاقدين مع المنظمة المطلوب منهم الإنضباط لتعليمات و توصيات الخبراء أثناء محاوراتهم الإعلامية..
و بما أننا إزاء تنين مؤسساتي رياضي يستثمر أرقاما مالية فلكية في تنظيمه الحصري للنزالات الاحترافية في رياضة “الكيك بوكسينغ”، فإن ما على ريكو و غيره من الأبطال المتعاقدين مع المنظمة سوى الإذعان لتوصيات الخبراء، لأن منطق احتكار المعلومة و التحكم في إيقاع تداولها يحتم على كل هؤلاء الامتثال لتعليمات تلك المنظومة الدعائية و التسويقية المؤتمنة على وضع خطاطات و توقعات في منتهى الصرامة..
أي نعم، فنحن لا نتوفر على قاعدة بيانات دقيقة لاستخلاص الحقائق و استشراف ردود الفعل، لكن ما يتعين الحسم فيه هو أن لا ريكو و لا أي بطل آخر يمتلك صلاحية قول أي شيء أمام وسائل الإعلام و ذلك بمقتضى بنود تعاقدية مألوفة و مبررة طبقا لمصنفات معرفية متفرعة عن الاقتصاد الرياضي..
لماذا تحدث ريكو بذاك الشكل المستفز؟؟..و كيف سيكون رد بدر هاري لحفظ ماء الوجه؟؟..و ما مصلحة منظمة الغلوري Glory في تأجيج حرب التصريحات و الردود الصحفية؟؟..فهل الأمر يتعلق باستراتيجية مدروسة الهدف منها استفزاز البطل المغربي لينتقل إلى السرعة القصوى في رحلة استرجاع جاهزيته المفقودة؟؟..هل تخفي كواليس الغلوري Glory مخاوف الصقور بشأن الإنطفاء المبكر لبطل لا زال قادرا على جلب المستشهرين و المتتبعين عبر العالم؟؟..ألا تشعر منظمة الغلوري بأن بدر هاري قد يفقد بريقه حتى قبل أن يستوفي النزالات الخمس المتبقية من العقد في حالة سقوطه مجددا ضد الوحش ريكو فيرهوفن؟؟..
كلها أسئلة و استفهامات نتركها في عهدة المتخصصين و النافذين إلى الدرك السحيق الذي نزلت إليه رياضة تنطبق عليها المبادئ السامية للميثاق الأولمبي..
إلى ذلك، يبقى من الضروري لفت انتباهكم أصدقائي أننا لا نتوخى فقط إبلاغكم بخلفيات تصريح ريكو المتهكم أو تركيزكم على الرد المفترض لبدر هاري، بقدر ما نراهن على وضعكم في قلب دعاية ماكرة محكومة بهواجس صناعة المعلومة على مقاس صقور المضاربين، دعاية لا يؤطرها منطق التواصل البريء مع الجمهور المتلقي لكونها لا تعير اهتماما للأخلاق أو النظريات أو المواثيق الناظمة لميكانيزمات الاتصال المؤسساتي، دعاية تستهدفنا في كل وقت وحين من خلال أنباء و قصاصات و تصريحات تجتهد في تصريفها كبريات الصحف و القنوات الفضائية ثم المنصات الرقمية الباحثة عن الإثارة بنفس وثيرة و جشع أخطبوطات الاستثمار الرياضي، في مشهد تنساب ضمنه الرسالة الإعلامية على شاكلة “الرصاصة السحرية” أو “الطلقة السحرية” التي تشل قدرات العقل البشري على النقد و التحليل و الاستقصاء، تبعا لما تحمله لنا نظريات علوم الاتصال من نماذج دعائية تبلغ فيها القذارة الوظيفية عنان السماء..
لقد بات لزاما على الجمهور المتلقي المرور بدوره إلى السرعة القصوى في الحذر و إخضاع المحتوى الإعلامي مهما كانت مصادره لافتحاص دقيق و مساءلة منطقية مع استحضار تلك العبارة الوافدة من جوف المحكيات الخالدة للقبيلة العربية التي تقول: “إن وراء الأكمة ما وراءها”، و ربما يجدينا الاستئناس بالمقولة ذاتها في مساعينا لتقويض لعبة صناعة الأصنام التي تسلكها ماكينات تعليب الرأي العام..
رأينا صواب يحتمل الخطأ و رأي من يختلف معنا خطأ يحتمل الصواب..
دمتم في رعاية الرحمان..
*كاتب صحفي