*إدريس الكنبوري

لقد رحل ومعه جزء من تاريخ المغرب المعاصر، فالرجل عاش حقبا سياسية ساخنة في المغرب وكان قريبا من المطبخ السياسي سواء في عهد الاستعمار الفرنسي أو عهد الاستقلال، وهو من طينة السياسيين المغاربة الذين لعبوا دورا أساسيا في العهدين معا، وكان خزان أسرار.

عندما حصلت مذبجة سوق أربعاء الغرب كان أحرضان قائد منطقة الرباط، وقد حصلت تلك المذبحة بين الشوريين والاستقلاليين في يناير1956 عندما كان الشوريون يقيمون احتفالا لهم، وكان أحرضان مدعوا للحضور كمسؤول ولم تكن الحركة الشعبية قد ظهرت بعد، لكنه خلال الطريق وصلته أبناء المذبحة فعاد أدراجه نحو الرباط.

تلك حادثة تناولتها في روايتي الأولىزمن الخوفالتي صدرت عام 2015، وهي أول عمل أدبي يتناول تلك الحادثة المنسية. وعندما أصدرأحرضان الجزء الأول من مذكراته الصادرة باللغة الفرنسية وعقد حولها لقاء مع بعض الصحافيين و المثقفين في بيته كنت حاضرا وسألته عنالحادثة، لكن إجابته كما هو معروف كانت دائما مراوغة، وعجبت أنه لم يتناولها في كتابه، مع أنها حادثة مهمة جدا في التاريخ السياسيالمغربي المعاصر.

وقد رحل أحرضان وفي حقيبته الكثير من الأوراق، ولكن لا شيء عاد ينفع من تلك الأوراق اليوم، فهذا جيل جديد لديه مشكلاته الجديدة.

كان أحرضان أعجوبة من أعاجيب السياسة في المغرب. فالرجل في تقديري جمع في شخصيته الشخصية المغربية بامتياز: الأصالة والمعاصرة ، الحداثة والتقليد، الواقع والتمثيل، الجد والهزل.، البادية والمدينة. فقد عاش في بيئة فيها كل مظاهر الحداثة بأسلوب فيه كلمظاهر البداوة. ولكن يمكن القول بأنه ربما كان الشخصية السياسية المغربية الوحيدة التي أتقنت الخطاب السياسي المغربي للرجلالبسيط، لا يساويه في ذلك سوى عبد الإله بنكيران.

قدر لي أن أعمل مع أحرضان عام 2002 كرئيس تحرير جريدة حزبهالمعركةالأسبوعية، لكن فقط لمدة أربعة أو خمسة أشهر أو أقل. ومن الطرائف أن قناةالعالمالشيعية اللبنانية كانت تتصل بي أحيانا للتعليق على بعض الأحداث، فكان الصحفي الذي يقدمني ينبر (يضغطعلى الحروف) في كل مرة عندما ينطق كلمةالمعركةحين يصل إليها، ظانا أن عنوان الجريدة يحيل على تنظيم سياسي ثوري راديكالي، حيث يرفع صوته قائلارئيس تحرير صحيييفة آل ماعراكاه“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *