*المصطفى المودن
عشت أجواء المسيرة الخضراء بكل جوارحي، كنت في نهاية الإبتدائي بالعالم القروي، حينما قرر أبي أن يشارك، ذكر لنا أن الإقبال كان كبيرًا، وهناك من لم يستطع أن يتسجل، لأن العدد كان محصورًا بكل إقليم..
أجواء مفعمة بالحماس المنقطع النظير، وبقليل من التوتر.
كان المذياع هو المخبر الوحيد، أقصد إذاعة الرباط، والإذاعات الجهوية التي تفرغت للحدث، ربورتاجات وتغطيات ومقابلات من كل منطقةوإقليم.
وكانت إذاعة لندن ملجأ ثان.
أتذكر جل اللحظات بتفاصيلها، منذ خطاب 10 أكتوبر، إلى خطاب 6 نونبر من أكادير، ثم الخطاب الأخير للحسن الثاني وهو يأمر بعودةالمتطوعين وقد حققوا المراد كما قال..
كان وسط كل ذلك والدي، كنت أتخيل تنقالته بين الجموع من خلال النقل الإذاعي.
كانت المسيرة ضربة معلم من طرف الحسن الثاني، حيث أصبح المغرب على تاريخ جديد يبتدئ من ما بعد المسيرة.
فالشعوب لا تحيا بالخبز فقط، بل كذلك بأمل وطموح تجتمع عليه.
ولكن للأسف ذابت مع الوقت طفرة الحماس تلك، خاصة مع توالي “المسلسل الديمقراطي” المغشوش..
من خلال الصور التي ظهرت فيما بعد، يمكن التحقق من تضحية المتطوعين والمتطوعات وهم متزاحمون مئات الكيلومترات على متن شاحناتعارية وقطارات السلع والمحظوظ منهم داخل حافلات.
ولكن لا أحد كان يطلب أكثر من ذلك.
يوم رجوع المتطوعين أمرني المعلم بالمغادرة قبل خروج التلاميذ حتى أستقبل أبي وقافلة الشاحنات قد وصلت..
حملت حقيبتي وتوجهت نحو الطريق القريبة.
مرت كل الشاحنات، بعضها تتوقف وتنزل من يسكنون في البلدة، وشاحنة أحد الفلاحين تفرغ حمولتها، وكان الاستقبال حارًا من طرف الناس، والنساء تصدحن بالزغاريد والأهازيج. لكن دون أن يظهر ابي!.
توجهت إلى المنزل على بعد أربع كيلومترات تقريبًا بخطى بطيئة وفي حالة كئيبة. قلت لأمي إن أبي لم يعد. لم ترد علي..
خرجت وبقيت أراقب الطريق، فإذا به قادم بين الحقول متوجهًا إلى بيتنا الذي كان بعيدًا عن القرى الأخرى. وقال إنه كان مع شاحنة أخرى تأخرت.
مؤسف ألا تنتج التلفزة عملًا دراميا في المستوى عن تلك اللحظات.
*قاص مغربي