قلم: محمد زين الدين
نجحت المقاربة المغربية في حل الازمة الليبية فيما فشلت عدة أطراف دولية واقليمية في ايجاد حل سلمي لهذه الازمة المفتعلة ، الامر الذي يقودنا الى البحث في العوامل التي مكنت الديبلوماسبة المغربية من حل المشكلة الليبية.
الواقع أن هناك عدة عوامل ساهمت في انجح الوساطة المغربية يأتي في مقدمتها الدعم القوي الذي قدمه جلالة الملك محمد السادس للطرفين المتنازعين قصد ايجاد حل سياسي لهذه الازمة المفتعلة،كما أن الديبلوماسية المغربية تعاملت بذكاء واحاطة دقيقة بكل تفاصيل الملف الليبي.،حيث يتداخل المعطى الشخصي مع خصوصية المجتمع الليبي، لذلك لم تفرض الديبلوماسية المغربية أية خطة لاخراج ليبيا من مأزقها المفتعل.بل شددت على أن مستقبل ليبيا ينبغي أن يصوغه الليبيون أنفسهم دون وصاية من أحد ،كما أن المفاوض المغربي وقف على مسافة واحدة من الحياد مع الطرفين الرئيسيين في هذا النزاع ادراكا منه أن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبيين ممران أساسيان لانجاح اي تسوية سياسية محتملة.
لقد مكن الحياد الايجابي للمغرب من توفير مناخ سمح ببناء جسور الثقة بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي.
الواقع ان نجاح الديبلوماسية المغربية لا يكمن فقط في بناء جسور الثقة بين طرفي الازمة اللبية، بل أيضا في الحفاظ على مكتسبات لقاء الصخيرات لكن مع تطويره في مخرجات لقاء بوزنيقة.
صحيح ان الوقع الميداني ساهم في ادراك الطرفين بأن منطق الحرب لن يفضي الى بروز طرف رابح،لهذا وظفت الديبلوماسبة المغربية بذكاء العامل الزمني لتعمل على ازاحة جملة من العراقيل التي عرفتها اللقاءات الدولية السابقة، بالرغم من ان المغرب تعرض إلى إقصاء ممنهج في لقاء برلين.
لقد أدركت الديبلوماسية المغربية منذ لقاء الصخيرات أنه لا يمكن حل الازمة الليبية الا بترك الليبيين يقررون بأنفسهم شكل النظام السياسي لبلدهم ، وشكل المؤسسات الدستورية التي يرتضونها دون وصاية من أي طرف خارجي.
وهكذا فقد افرز لقاء بوزنيقة خارطة طريق واضحة المعالم لبناء دولة ليبيا لكل اللبيين دون استثناء.
إن الأمر هنا لا يتعلق بعملية تقسيم للمناصب السبادية ، بل بتوزيع متوازن للسلطات الدستورية بين مختلف القوى السباسية في ليبيا،كما ان هذا اللقاء سيأسس لبناء دولة قوية بليبيا، حيث ستوضع على طاولة النقاش مسألة اجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل مختلف المؤسسات الدستورية على قاعدة دستورية صلبة.
كما أن هناك نقطة اخرى تحتسب لصالح الديبلوماسية المغربية تتمثل في كونها لم تقتصر فقط على ارساء جسور الثقة بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، بل عملت ايضا على بعث رسائل طمأنة لمختلف القوى الاقليمية والدولية المتواجدة في هذه المنطقة،وهو الأمر الذي تفسره المباحثاث الهاتفية التي اجراها السيد بوريطة مع كل من وزيري خارجية لكل من روسيا وتركيا عقب الاعلان عن مخرجات لقاء بوزنيقة.
لقد حظيت هذه المقاربة الواقعية بإشادة دولية واسعة من قبل القوى السياسية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروربي الذي أظهر تطابقا واسعا في وجهات آلنظر مع المغرب حول الملف الليبي، خصوصا ان حوار بوزنيقة فتح آفاقا واسعة لمصالحة تاريخية بين الاخوة اللبيين. والاهم قبل هذا وذاك هو اجتماع الطرفين على طاولة واحدة، وهو الأمر الذي كان حتى عهد قريب مستحيل التحقق.
بيد أن انجاح هذه المفاوضات سيتوقف بشكل كبير على ضرورة ايمان جميع الأطراف الاقليمية والدولية بضمان حظر ترويج السلاح بليبيا. مثلما يتطلب الامر سحب مختلف الميلشيات المسلحة المدعومة من قبل بعض الاطراف الاقليمية والدولية، لأن المطلوب في هذه المرحلة تثبيت الوضع الميداني في ليبيا.
- محمد زين الدين – أستاذ جامعي ومحلل سياسي