عبد الرزاق بوتمزار- le12.ma

من طنجة إلى فاس، فالرباط والقصر الكبير، ومن حقول الإبداع إلى ميادين الرياضة، غيّب الموت، مؤخرا، مجموعة من مبدعي المغرب.. مجموعة أسماء لمعت في سماء العطاء الأدبي والفني والرياضي والنقابي ترجّلوا، في الوقت ذاته، عن صهوة الإبداع والممارسة والعطاء وعن الحياة.

في الورقة التالية، نتوقف عند مجموعة من الأسماء التي فقدهم المغرب مؤخرا، بعد أن توقّفتْ بهم رحلة الحياة، بعد مسار متميز كل في مجال اشتغاله أو دائرة اهتمامه الأدبي أو الفني.

رشيد شباري
من طنجة وصلنا أول هذه الأخبار المشؤومة، ناعياً الأديب المغربي رشيد شباري، الذي استسلم، بعد صراع شجاع، مع المرض الخبيث.

وأغنى رشيد شباري، صاحب “ألق المدافن”، الخزانة المغربية بأعمال أدبية وبذر حقولنا الثقافية ببذور ستُزْهر أشجارا يانعة من الكتاب.. فهو من مؤسسي “رونق المغرب”، الذي ساهم في نشر العديد من الكتب وتنظيم لقاءات ثقافية وملتقيات أدبية، رغم “الحصار” الذي ضُرب عليه.

وأبدع شباري (1962 -رجل تعليم) على الخصوص، في كتاباته المسرحية الموجَّهة للطفل، متحدّيا صعوبات الكتابة في هذا المجال. ومن مسرحياته”“ليلة باردة” و”نحن مختلفون” و”الاستثناء”، التي ضمّنها رسائل للأطفال.

وأبدع الرّاحل، كذلك، في الكتابة القصصية، التي حظيت بحيز وافر من اشتغاله وانشغاله بهموم الثقافة والأدب عموما. فقد أسّس جمعيات ثقافية كثيرة وتولّى إدارة جريدة “فضاء المواطنة” التي “أُوقفت” عن الصدور.

وحصل “شرس” (رشيد شباري سمير) على جائزة التأليف في المهرجان الوطني للمسرح المدرسي (2005) وصدرت لخ مجموعات قصصية، منها “سر من رأى” (1996) و”ألق المدافن” (2009). كما كان من مؤسسي “الراصد الوطني للنشر والقراءة”، الذي انفتح، على الخصوص، على الفئات الشابة، وأصدر مجموعة من الأعمال الأدبية في القصّة والمسرح والشّعر.

علي الصقلي الحسيني

ودّع المغاربة، قبل خمسة، أيام الشاعر المغربي علي الصّقلي، مؤلف النشيد الوطني المغربي “منبت الأحرار”.

وفارق علي الصقلي (1932، فاس) الحياة في الرباط عن عمر 86 سنة كرّس معظمها للدراسة والتأليف.

وعُيّن الصقلي في 1956 في الديوان الملكي مستشارا في وزارة الخارجية، ثم في 1964 أستاذا ملحقا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط.

وفي 1970 ألّف علي الصقلي الحسيني النشيد الوطني المغربي، الذي صحّحه الملك الراحل الحسن الثاني ولحّنه الموسيقي ليو مورغان. وقد اعتُمد “منبت الأحرار” منذ تلك السنة النشيدَ الوطني الرّسمي للمملكة.

ودرس علي الصقلي الحسيني في “القرويين” وعمل أستاذا جامعيا. كما تنقّلَ بين عدة وظائف، أدبية وإدارية، وخلّف إنتاجا غزيرا ودواوين شعرية للأطفال، لكنّ أهمّ أعماله هي النشيد الوطني المغربي الرسمي. كما حصل على جوائز أدبية وثقافية، وكتب في الشعر والرواية وأدب الطفل.

الشاب ميمون الوجدي

من عاصمة الشرق جاء خبر مفجع آخر، فقد فارق الشاب ميمون الوجدي، قبل أسبوع، الحياة عن عمر جاوز الستين.

وكان ميمون الوجدي قد عانى، في الفترة الأخيرة، من صراع مع المرض الخبيث. وتكفلت مؤسسة “لالة سلمى” للوقاية وعلاج السرطان بعلاج الفنان الوجدي.

وكان الشاب ميمون الوجدي من أوائل الفنانين الذين بصموا على انطلاقة فنّ “الراي” في المغرب، إذ خلّف، على امتداد أربعة عقود من العطاء الفني، ريبيرتوارا غنيا ما زالت الأوساط الشبابية تتغنّى بروائعه.

مصطفى مديح

في عالم الرياضة هذه المرّة، وكرة القدم تحديدا، أسلم المدرب المغربي مصطفى مديح (الأحد الماضي) روحه إلى باريها.

وتوفي مديح (62 عاما) بعد معاناة مع المرض منعته من مواصلة مهامه على رأس القيادة الفنية لمنتخب الناشئين، الذي كان يشرف عليه في الفترة الأخيرة.

وكان مديح أحد المدربين المغاربة المتميزين، إذ قاد المنتخب المغربي الأول. كما قاد المنتخب الأولمبي في دورة أثينا 2004 وتوج مع المنتخب بذهبية الألعاب الفرنكفونية.

محليا، تُوج مديح بلقب الدوري المغربي مرتين، إحداهما مع أوليمبيك خريبكة والثانية مع الجيش الملكي. كما حضد لقب كأس العرش مع أولمبيك خريبكة. وعربيا، خاض مديح العديد من التجارب التدريبية في الخليج، أهمها إشرافه على نادي “الوكرة” القطري.

عبد الحميد الجمري
من الرباط، وصل المغاربةَ خبر نعي عبد الحميد الجمري، عضو مجلس الجالية المغربية بالخارج ورئيس لجنة الأمم المتحدة للحماية الدولية لحقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، عن سن تناهز 61 عاما، وفق ما أعلن مجلس الجالية المغربية بالخارج.

وكان الجمري (1957 في كروان، جهة مكناس) والذي يعدّ أحد أكبر المدافعين عن حقوق المهاجرين، قد شغل عدة مناصب، في المغرب كما في الخارج، خبيرا في هندسة مشاريع التنمية والتكوين والتعاون. وشغل أيضا منصب رئيس لجنة الأمم المتحدة للحماية الدولية لحقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.

كما تنقل عبد الحميد الجمري بين عدة مناصب، فعمل خبير لدى الاتحاد الأوروبي في التنمية الاقتصادية، ومستشارا دوليا في هندسة مشاريع التنمية، ومديرا للمعهد العالي للتدريب والتنمية (فرنسا) كما ترأس الشبكة الدولية “مبادرة 21 للتنمية”.. في دول عديدة.

إلى جانب ذلك، قاد الراحل العديد من برامج الاندماج والمساعدة على الاندماج السوسيو -مهني للمهاجرين في الدول الأوروبية، ووضع برامج تكوين وتدريب للفاعلين في مجال الاندماج الاجتماعي. كما أنجز الخبير المغربي عدة بعثات نيابةً عن الحكومات الأوروبية والإفريقية والشركات الكبرى والمنظمات غير الحكومية في عدة تخصصات (هندسة المشاريع والتدريب، إدارة الموارد البشرية، إدارة الهجرة، والتأهيل الجماعي، والتشخيص الهيكلي، بلورة وتطوير البرامج الإقليمية، وضع إستراتيجيات التنمية الدولية، تقييم البرنامج ومشاريع التعاون مع المغرب وإفريقيا، ودعم المجتمع المدني والفاعلين في مجال التنمية) وغيرها.

وألّف الراحل عبد الحميد الجمري العديد من الكتب والمنشورات التي تتناول قضايا الهجرة على وجه الخصوص.

محمد المهدي السقال

كان للقصر الكبير نصيب في حزن المغاربة على أعلام رُزئوا فيهم في الأيام القليلة الماضية، فقد توفق القاص والناقد المغربي محمد المهدي السقال (1953) بعد عمر أفناه موزّعا بين الاشتغال على إشكالات الكتابة السردية والنقدية وقضايا النضال السياسي والإنساني.

نشر السقال قصته القصيرة الأولى “السيد المفتش” في جريدة “البيان الثقافي” في بداية ثمانينات القرن الماضي.
ثم نشر بعد ذلك نصوصا سردية أخرى في عدد من الصحف المغربية والعربية (العلم والاتحاد الاشتراكي وأنوال وفي الطليعة الأدبية -العراق).

كما شارك الرّاحل بكتاباته وحواراته النقدية في عدد من المواقع الأدبية (“من المحيط إلى الخليج” و”مطر” و”القصة العربية” و”دروب” و”طنجة الأدبية” و”الحوار المتمدن”).

مؤطر

لعلّنا نجد بعض العزاء (وأشياءَ أخرى) في فقدان الناقد والأديب محمد المهدي السقال في ما كتبه الكاتب العربي بنجلون، في صفحته في فيسبوك، في نعي السقال:

“التقيتُ به مرتين فقط، رغم أننا كنا نسكن حيا واحدا!.. الأولى في عرض لي حول أدب الأطفال، فقام واعترض على الكتابة الموجَّهة لهم، لافتقادها اللغة الشعرية، أي الكثافة في التعبير والاقتصاد في اللغة والرؤية المجنحة. والثانية في حفل توقيع مجموعته القصصية، التي وزعها على الحاضرين مجّانا، تشجيعا للقراءة!..

أظن، من خلال قراءتي لكتاباته، أنه كان يعيش حالة توتر وهو يتأمل هذه الظواهر الاجتماعية المهترئة. لقد كان قلبه على وطنه، ورؤيته له أكبر من أيّ رؤية أخرى. كان يتحرّق في عالمه الداخلي، ولذلك رحل عنا، وهو غاضب، كأيّ أديب يحب بلده!”…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *