محمد سليكي

يبدو أن عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب”التراكتور”، يقرأ الدستور المغربي بمناسبة إثارة موضوع التصويت البرلماني عن بعد في زمن الجائحة، بنظارتين مختلفتين، تختلفان بإختلاف غرفتي البرلمان المغربي.

سياق هذا الكلام، هو الرسالة التي وجهها وهبي، أمس الإثنين، إلى كريم الهمس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، بمجلس المستشارين، يطالبه من خلالها بإثارة عدم دستورية إعمال الغرفة الثانية التي يترأسها حزبه، لنظام تقنية التصويت الإلكتروني عن بعد.

ومعلوم، أن مكتب مجلس المستشارين، كان قد إستفاد من الاتهامات الموجهة إلى رئاسة مجلس النواب، حول إقصاء عدد من النواب من ممارسة حقهم الدستوري في التصويت وكذا إحتساب أصواب نواب غائبين في جلسة تشريع ولجنة دائمة، لذلك بادر إلى المصادقة برئاسة حكيم بنشماش، الخميس المنصرم، على تفعيل نظام التصويت عن بعد، من أجل تمكين كافة المستشارين من ممارسة حقهم الشخصي في التصويت مستندا إلى مقتضيات الفصل 60 من الدستور ومضمون المادة 175 من النظام الداخلي للمجلس.

بيد أن وهبي، الذي يبدو أنه لم يلتحق بالأصوات الداعية من بين فرق الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب، إلى إعتماد نظام التصويت عن بعد بدل إحتساب أصوات الغائبين، سارع دون خصوم رئاسة حزبه لمجلس المستشارين، إلى الدفع بعدم دستورية تفعيل الغرفة الثانية لنظام التصويت عن بعد.

إن ما بادر إليه وهبي، قد لا يمكن إلا أن يعبر عن عقلية زعيم سياسي ومشرع برلماني، لا يزال في جلباب رجل من زمن ما قبل كورونا..

لا أعلم إن كان وهبي، الذي لا تخلوا كتابته وتصريحاته الأخيرة عن تصوير مغرب ما بعد الجائحة، مغرب التكنولوجيات والعلم في خدمة التطور والتنمية..، هل يتابع دخول دول ومجتمعات وفقهاء دستورين بالعالم المتقدم، مرحلة تفكير عميق، حول حتمية رقمنة الحياة العامة، ومنها التفكير مستقبلا في الإقتراع الالكتروني، كآلية من آليات محاربة العزوف الانتخابي والفساد الانتخابي، الذي لا يزيده السياسي”المهرج” إلا إتساعا في صفوف الناخبين.

كما لا أعلم إن كان وهبي، قبل أن يوقع رسالته الموجهة إلى رئيس فريق البام بمجلس المستشارين لإثارة عدم دستورية إعمال نظام التصويت عن بعد، قد تابع إحتفال مجلس نواب الشعب التونسي الجمعة المنصرم، بنجاح أول عملية تصويت عن بعد، في تاريخ العمل البرلماني في تونس، خلال الجلسة العامة المنعقدة للتصويت على مشروع قانون ذي صبغة مالية واقتصادية، على نحو ضمن حق النواب في التصويت، بما ساهم في نجاح التدابير الاحترازية لمحاربة تفشي الجائحة، و في تأمين السير العادي لمؤسسة البرلمان، وفي عدم تعطيل التشريع، وهو ما إجتهد من أجل اعتماده مجلس المستشارين المغربي.

لقد كان حريا، بالأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أن يوجه رسالته عن طريق صديقه رشيد العبدي رئيس فريق البام بالغرفة الأولى، من أجل تنبيه رئيس مجلس النواب، الذي يعد وهبي من بين أعضائه البارزين، إلى ضرورة تبني نظام التصويت عن بعد، كما أقره مجلس المستشارين، مع تدبيج رسالته بعبارة الإشادة  بهذا الاجتهاد الذي وقع عليه رئيس مجلس ينتمي إلى حزبه”البام”..

كما لا أعلم هل غاب عن فكر وهبي، أن نوابا عن أحزاب الأغلبية والمعارضة، وعلى رأسهم النائبة عن حزب العدالة والتنمية، آمنة ماء العينين، طالبوا رئيس مجلس النواب، بضرورة إعتماد نظام التصويت عن بعد، وهو ما دهب إليه مجلس المستشارين، فهل هؤلاء كلهم لا يحرصون على إحترام الدستور أو لا يفقهون في القانون؟، لا اعتقد.

إن رسالة الدفع بعدم دستورية ما أقره مكتب مجلس المستشارين، الموجهة إلى كريم الهمس، تحت ذريعة حماية الدستور، إستنادا إلى تفسير ضيق لمنطوق المادة 175 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين التي تؤكد أن التصويت يكون علنيا برفع الأيدي أو بواسطة الجهاز الإلكتروني المعد لذلك، رسالة لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الرسالة الخاطئة الموجهة الى العنوان الخاطئ في الزمن الخاطئ.. 

أملي أن لا ترهق الساحة السياسة والمؤسسة البرلمانية، وحتى المحكمة الدستورية بنقاش خارج النص، في زمن تمر فيه بلادنا بظرف دقيق لا يحتمل مزايدات لا تفيد في المساعدة على عودة الثقة إلى المؤسسات..  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *