في إطار سلسلة الحوارات التي تجريها الجريدة الإلكترونية le12.ma ، مع مجموعة من الأكاديميين والاقتصاديين والسياسيين، حول المغرب ما بعد “كورونا”، كان حوار اليوم مع يوسف كراوي الفيلالي مدير المركز المغربي للحكامة والتسيير والبداية من هنا.
حوار: مصطفى قسيوي
بداية كيف تنظرون إلى مستقبل المغرب ما بعد أزمة كورونا؟.
“في الحقيقة، لقد أبان المغرب خلال زمن جائحة الكورونا عن قدرة تدبيرية رشيدة، مكنته من تفادي الأسوأ بفضل نمط حكامة الدولة في ظل هذه الأزمة، القائم على إستراتيجية استباقية وسياسة وقائية، جنب البلاد كارثة صحية كانت ستنهك المرافق الطبية المغربية وتدخل القطاع في أزمة صحية غير مسبوقة، ناتجة عن تفشي الوباء والارتفاع المهول لعدد المصابين والوفيات كما هو الحال في العديد من البلدان المتقدمة والتأثير بشكل كبير كذلك على الاقتصاد الوطني بسب تضرر المقاولات المغربية وفقدان مناصب الشغل وتراجع الطلب الخارجي، وكل هذا يجعلنا نتوقع بأن مغرب ما بعد الكورونا سيكون بلد إفريقي مغاربي أبان عن حسن تدبير أزمة دولية صحية غير مسبوقة، حيث سيتجاوز المرحلة وبأقل الخسائر.
ومن هذا المنطلق، فإن حسن تسيير هذه الأزمة سيشكل لبنة إضافية لبناء مغرب الغد، من خلال التركيز على العنصر البشري لكونه الرافعة الحقيقية للتنمية، إذ يتعين إعطاء الأولوية القصوى للقطاعات الاجتماعية الحيوية (الصحة، التعليم، السكن والشغل) والتي تمثل الحجر الأساس لكل اقتصاديات العالم، قصد ضمان تنمية سوسيو – اقتصادية مندمجة كفيلة بتخفيض معدلات البطالة والفقر إلى أدنى مستوياتها”.
في خضم الحديث عن المغرب ما بعد كورونا، طالب البعض من الحكومة بضرورة تعديل قانون المالية الجاري به العمل، هل هذا الإجراء كاف في رأيكم لمراجعة قانون المالية؟.
“في ظل الظروف الحالية، ونظرا إلى المنحى التصاعدي للحالات الإيجابية المصابة بفيروس كوفيد_19، والتي تشير إلى إمكانية تمديد الحجر الصحي بالبلاد، يتعين تعديل قانون المالية الحالي بالنظر إلى الظرفية الاقتصادية الصعبة التي سببتها هاته الجائحة، حيث تضررت مجموعة من القطاعات الاقتصادية الحيوية، وهو ما سينتج عنه تراجع هام على مستوى المداخيل الجبائية المتوقعة في قانون المالية الحالي.
ومن جهة أخرى، يتعين مراجعة النفقات المبرمجة في ظل القانون المذكور لتحقيق توازن مالي برسم السنة الحالية، إلا أنه لا يجب إتباع سياسة تقشفية لشل عجلة الاقتصاد، وإنما تقنين أنجع للنفقات قصد توجيهها نحو القطاعات الأكثر تضررا من هذه الأزمة، إذ يتوجب دعم النسيج المقاولاتي المغربي عبر تيسير ولوجيته للطلبات العمومية وشبه العمومية”.
جريدة LE12 تنشر المساهمة الفكرية لأخنوش حول تدبير الأزمة ما بعد كورونا
بينما حذر عدد من الأكاديميين والاقتصاديين الحكومة من تبني سياسة التقشف ودعوتها إلى دعم الطلب الداخلي، وجدنا أول زعيم حزبي يطرح رؤية إنقاذ للاقتصاد الوطني ما بعد كورونا، الأمر يتعلق بالمساهمة الفكرية لعزيز أخنوش رئيس حزب الأحرار، ماهي قراءتكم الأولوية لهاته المساهمة؟.
” أعتقد أنه يتعين علينا جميعا أن نفكر بهذه الطريقة الموضوعية لتجاوز هذه الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة الكورونا ، وبالتالي، يبقى دور الدولة أساسي لدعم القطاعات المتضررة كالسياحة والنقل والفندقة والخدمات، وذلك عبر التشجيع على الطلب الداخلي الذي يبقى رهينا بتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، ومن هذا المنطلق، فإن الإنفاق العام يعتبر ضروريا في هذه الظرفية،قصد ضخ دماء جديدة في عجلة الاقتصاد الوطني .
ومن جهة أخرى، تعتبر هذه الظرفية فرصة سانحة للمغرب لتطوير صناعاته وبالتالي تخفيض الواردات وتحقيق الاكتفاء الذاتي، حيث يمكن اعتبار تجربة الكمامات المغربية الصنع، خير دليل على القدرات المغربية الهائلة في مجال التصنيع المحلي. بحيث يتعين دعم وتمويل المقاولات الصغيرة جدا وكذا الصغرى والمتوسطة، لتشجيعها على الابتكار وتمكينها من الرفع من الانتاجية وبجودة عالية. كما يتوجب مواكبة النسيج المقاولاتي المغربي في هذه الظروف الصعبة لتحسين إنتاجه وتجويد خدماته من جهة، والرفع من تنافسيته على الصعيد الدولي من جهة أخرى، وهو ما نتفق فيه إلى حد كبير مع المساهمة الفكرية لرئيس التجمع الوطني للأحرار .
أما بخصوص التوازنات الماكرو- اقتصادية، فإن تفاقم عجز الميزانية وكذا المديونية العامة لدعم الاقتصاد الوطني والرفع من تنافسيته عالميا، سيمكن المغرب على المدى المتوسط من تحسين عجز الميزان التجاري وهو المؤشر الأكثر دلالة اقتصاديا، وبالتالي، فإن الرفع من تنافسية الاقتصاد المغربي يبقى وحده الكفيل لتحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي يصنف المغرب ضمن الدولة الصاعدة كما جاء في رؤية ورقة أخنوش الفكرية “
طيب ، دراسة إستشرافية لمؤسسة “سي دي جي” كابيتال، توقعت وصول المغرب إلى نسبة نمو لا تتعدى 1 بالمائة وهو أدنى مستوى سيحققه المغرب خلال 20 سنة مضت.. كيف يمكن استدراك هذا التراجع؟.
“علينا توقع تراجع نسبة النمو خلال السنة الجارية، وهو أمر طبيعي لكون سنة 2020 سنة استثنائية مرتبطة بحالة الطوارئ الصحية وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية ، إلا أن تراجع نسبة النمو إلى أقل من 2 بالمائة سيرفع من معدل البطالة إلى نسبة 16 بالمائة، وهو ما يناهز 1.9 مليون عاطل عن العمل جديد. لكن تدهور نسبة النمو كان متوقعا حتى قبل الجائحة، حيث تراجعت الأمطار الموسمية بنسبة 40 بالمائة وهو ما سيؤثر على نمو القيمة المضافة الفلاحية أي الناتج الداخلي الخام الفلاحي.
وبغض النظر عن الاقتصاد المهيكل، سيعرف المغرب بروز فئة اجتماعية جديدة مكونة بالأساس من الأفراد والأسر المتضررة من الجائحة،والمكونة أساسا من الذين فقدوا قوت يومهم، حيث أن معظمهم كان نشيطا بالاقتصاد غير المهيكل”.
من بين خيارات تدخل الحكومة لمواجهة الأزمة هناك خيار اللجوء إلى الدين الخارجي، هل في نظرك هذا حل مثالي في الظرف الحالي، أم هو توجه لا مفر منه للحكومة بما له من تكلفة ستؤديها الأجيال القادمة؟.
“اللجوء للدين الخارجي يجب أن يبقى مرتبطا بمتطلبات الاقتصاد الوطني. وبالتالي، يتعين تحديد أوليات المغرب على هذا الأساس. حيث أن اقتراض العملة الصعبة هو أساسي في هذه المرحلة، في ظل التراجع المهول للمداخيل السياحية للأجانب وتحويلات مغاربة الخارج. وبالتالي، يمكن للمغرب اللجوء للسوق الدولية ولكن عبر تقنين هذا النوع من القروض، حيث يتعين اقتراض أقل ما يمكن وتوجيهه نحو الحاجات الأساسية والتوريدات الضرورية لتماسك الاقتصاد الوطني”.