في محطة سياسية فارقة، ومع انطلاق السنة الأخيرة من الولاية التشريعية الحالية، جاء الخطاب الملكي السامي لافتتاح البرلمان ليرسم ملامح مرحلة دقيقة، ويقدم تشخيصاً استراتيجياً للوضع العام بالمملكة، موجهاً بوصلة العمل الحكومي والبرلماني نحو أولويات لا تقبل التأجيل.

لم يكن الخطاب مجرد سرد للتوجيهات، بل كان بمثابة خارطة طريق متكاملة، تضع التماسك الوطني والتنمية الاجتماعية في قلب المعادلة.

أبرز الخطاب الملكي رؤية حاسمة لمعادلة التنمية، مؤكداً أن المشاريع البنيوية الكبرى، التي تضع المغرب على خريطة الأحداث العالمية والقارية، يجب أن تسير جنباً إلى جنب وبذات الأولوية مع البرامج الاجتماعية الموجهة للمواطن.

ففي رؤية العاهل المغربي، لا يوجد أي تعارض بين تجهيز البنيات التحتية الحديثة وبين تسريع وتيرة المشاريع الضامنة لتشغيل الشباب وتجويد خدمات الصحة والتعليم.

فالهدف الأسمى واحد ويتعلق بتنمية شاملة ومستدامة، تعود بالنفع على كل المواطنين، سواء في الحواضر أو في القرى، بما ينسجم مع استراتيجية “مغرب 2030”.

شدد الخطاب على أن ترسيخ العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية ليس خياراً ظرفياً، بل هو استراتيجية دولة واضحة المعالم والأهداف.

وفي هذا السياق، جاء التنبيه الملكي بأن “مستوى التنمية المحلية هو المرآة التي ستعكس مدى تقدم المغرب”.

وهو توجيه يضع جميع الفاعلين، من حكومة ومؤسسات، أمام مسؤولية تاريخية لتنزيل هذه الاستراتيجيات بالسرعة والجودة المطلوبتين، مع منح عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة واستثمار مؤهلاتها المحلية لتقريب الخدمات من ساكنتها.

لم يقتصر الخطاب على توجيه الحكومة والبرلمان، بل وجه نداءً واضحاً لكافة القوى الحية في المجتمع، من أحزاب ونقابات ومجتمع مدني وإعلام، لتحمل مسؤوليتها في تأطير المواطنين.

فالتحديات الكبرى والقضايا المصيرية، “تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني”، مما يستدعي تعبئة وطنية شاملة لتحسين التواصل، وشرح المبادرات، والتعريف بالحقوق والحريات، بما يضمن انخراط المواطن بوعي في الديناميكية التنموية التي تشهدها البلاد.

في قلب هذه الرؤية الملكية، يبرز الشباب كأولوية مطلقة. حيث دعت مجدداً إلى تحفيز المبادرات المحلية وخلق فرص الشغل، بالتوازي مع محاربة كل أشكال هدر الوقت والجهد والإمكانات.

وفي رسالة لا تقبل التأويل، أكدت على عدم القبول بأي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي، فكل درهم يُستثمر يجب أن يعود أثره بشكل ملموس على حياة المواطنين.

إن هذه السنة التشريعية، الحافلة بالتحديات والرهانات، تتطلب من الجميع تغليب المصلحة العليا للوطن.

فالمجهودات المبذولة اليوم ليست سوى استثمار في مستقبل الأجيال الصاعدة التي يقع على عاتقها، مسؤولية حماية المكتسبات وحمل مشعل الاستمرارية، ليبقى المغرب متضامناً، يحفظ كرامة أبنائه.

* إسماعيل بوقاسم- كاتب وفنان مسرحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *