بين العناق والدموع، عاش مطار محمد الخامس الدولي صباح السبت لحظات استثنائية وهو يودّع أحد أبرز الطيارين في تاريخ الخطوط الملكية المغربية، الكابتن خالد الصافحي، الذي أنهى آخر رحلة له قبل دخوله مرحلة التقاعد، بعد مسيرة مهنية حافلة امتدت لسنوات طويلة.

وما إن حطّت طائرة الصافحي على مدرج المطار، حتى استقبلتها عربات الإطفاء برشّات المياه في مشهد احتفالي تقليدي يُخصص عادةً لتوديع الطيارين المميزين في رحلاتهم الأخيرة.

لحظة مؤثرة جمعت الطاقم الأرضي والركاب والزملاء، وقد علت الابتسامات الممزوجة بالدموع احتفاءً برجل ترك بصمة واضحة في سماء المغرب.

الكابتن الصافحي، الذي يُعدّ من أمهر الطيارين داخل “لارام”، لم يكن الوحيد الذي حملت الشركة له مشاعر الاعتزاز في هذه الأيام.

فقد ودّعت لارام قبل أسابيع الكابتن علي البارودي، أحد الوجوه البارزة في أسطولها الجوي، والذي أنهى بدوره مشواره المهني بعد سنوات طويلة من التحليق عبر قارّات العالم.

وكانت الرحلات الأخيرة للبارودي، القادمة من مونتريال وساو باولو نحو مطار محمد الخامس الدولي، بمثابة محطة الختام لرحلة مهنية استثنائية اتسمت بالكفاءة والانضباط والاحترافية، لينضم إلى قائمة الطيارين الذين تركوا بصمتهم في سماء المملكة.

لم يكن صباح يوم 7 نونبر الماضي، يوما عاديًا في مطار محمد الخامس.

كان الهواء مثقلاً بمشاعر لا تخطئها العين، والقلوب معلّقة بين الفخر والحنين، وهي تودّع أحد فرسان السماء الذين قضوا أعمارهم بين الغيوم، الكابتن علي البارودي في رحلته الأخيرة قبل التقاعد.

ما إن لامست عجلات طائرته المدرج حتى انطلقت صفارات عربات الإطفاء، لترش الطائرة بممر مائي احتفالي، كأن السماء نفسها تبكي رحيل أحد أبنائها.

وقف البارودي، في قمرة القيادة للحظات صامتة، يسترجع سنوات طويلة قاد فيها آلاف الأرواح بأمان، وترك توقيعه الخاص في سجل “لارام”.

على الأرض، تعانقت زملاؤه معه بحرارة. بعضهم حاول إخفاء دموعه، وبعضهم لم يستطع. فالرجل الذي كان دائمًا أول من يصل وآخر من يغادر، حمل معه اليوم جزءًا من ذاكرة الشركة وقلبها.

لقد إختتم البارودي، مشواره الطويل برحلتين مؤثرتين من مونتريال وساو باولو. كان يعرف أنه يقود الطائرة للمرة الأخيرة، لكن أحدًا لم يستطع أن يتوقع حجم المشاعر التي غمرت الطاقم والمسافرين عند نزوله.

البعض صفق له طويلاً، والبعض طلب التقاط صور معه، وكأنهم يودّعون رمزًا أكثر من كونه طياراً.

فقد كان البارودي مثالاً للهدوء والرصانة والكفاءة، وأحد الوجوه التي سيظل اسمها محفورًا في ذاكرة “لارام”.

اليوم، لا يودّع المغرب طيارين فقط، بل يودّع حكايتين طويلتين من الشغف والتحليق، رجلين حملا سمعة الشركة ورفعا رايتها في كل مطار مرّا به، ومنحا معنى آخر للالتزام والمسؤولية.

وبين رشاشات المياه، والعناق، والدموع التي سقطت خلسة… كان المشهد أكبر من مجرد نهاية مسار مهني.

كان وداعًا صادقًا لرجال عاشوا حياتهم بين السماء والأرض، وتركوا خلفهم إرثًا يصعب تكراره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *