حسين عصيد
اعتبارا من مطلع 2020، بات من المفروض على كل مهاجر مغربي إلى مقاطعى “كيبيك” الكندية أن يجتاز قبل الالتحاق بها اختبارا في مصالحها القنصلية في المغرب، يُسمى “امتحان القيم الديمقراطية”، وهو يتكون من 20 سؤالا ذات صلة بقوانين تُشكل العمود المفصلي للديمقراطية في البلاد، يتعارض بعضها بالمطلق مع مرجعيات وديانات المهاجرين.
لم يأت هذا القرار الجديد من عدم، بل سبقته إرهاصات عدة تستمد تأثيرها من جملة الإشكاليات المرتبطة بالهجرة في باقي دول العالم، خاصة إلى أوربا، التي اضطرت فيها عدد من الدول المضيفة إلى سن قوانين جديدة، هي بمثابة تدابير احترازية لتقنين حركة هجرة الأجانب إليها، فُرضت بكيفية متلاحقة منذ 2015، أي بُعيد الهجرة الجماعية التي شهدتها ألمانيا خلال السنة نفسها بسبب تداعيات الحرب السورية، وفي أعقاب الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها دول أوربية مجاورة، مثل فرنسا وبلجيكا، خاصة اعتداءي “الباتاكلان” و”شارلي إبدو”، اللذين فرضا نوعا من العتمة السياسية والاقتصادية أرخت بظلالها على القارة العجوز.
هاجس أمني
حسب ما أوردت صحيفة “لودوفوار” الكندية، الاثنين، فإن القوانين القاسية التي سنّتها بعض دول أوربا في حق المهاجرين من ذوي الانتماء الفرنكوفوني، والذين ارتبط بعضهم بالعمليات الإرهابية التي عرفتها أوربا خلال السنوات الخمس الأخيرة، دفع بعضهم إلى التفكير في تغيير وجهتهم إلى العالم الجديد، لتُصبح أمريكا الشمالية، وبالأخص مقاطعة “كيبيك” الناطقة بالفرنسية، ملاذا جديدا لهم لتأسيس حياة جديدة. لكن هذه الهجرة الجديدة، ولو أن من يُختارون لها يعدّون من ذوي الكفاءات العلمية، فإن الهاجس الأمني بات يفرض التحقق من دوافعهم جميعا للالتحاق بكندا، علما أن أعتى الإرهابيين المحسوبين على التيارات الإسلامية المتطرفة هم من ذوي الكفاءات، وحتى إن لم ينخرطوا في أعمال مشبوهة ذات صلة بالإرهاب في بلدان الاستقبال، فإنهم يعمدون إلى الترويج لأفكارهم المتطرفة عبر وسائل مختلفة، يلقى بعضها صدى لدى المهاجرين المسلمين، بل وحتى من أبناء البلد الاصليين، أحيانا.
التربية على المواطنة أولا
بما أن أغلب الجانحين من المهاجرين في كندا، وفق الصحيفة ذاتها، لا يتمتعون غالبا بحس مواطناتي وشعور بالانتماء، حسب ما تعلن تقارير أجهزة الأمن، فقد أصبحت التربية على المواطنة أساسا لقبول أي مهاجر جديد في البلاد، إذ أثبتت إحصائيات عرضتها التقارير نفسها أن مهاجري الدول الفرنكوفونية إلى كندا ممن تمكنوا من استيعاب مرامي المواطنة الصحيحة هم الأعمق اندماجا من غيرهم في المجتمع الكندي، والأقل خرقاً لقوانين الإقليم مقارنة بغيرهم، لذا لم تسمح هذه الظروف بعد بخلق بيئة يستغلها المتطرفون لشن هجومات إرهابية أو ترويج أفكارهم في أماكن العبادة أو على الإنترنيت. وتبعا لذلك فقد انتهجت حكومة المقاطعة نسقا جديدا لضبط حركة الهجرة إليها بكيفية لا تدع مجالا لأي لُبس، إذ صار على الراغبين في الحصول على تأشيرة كندا الإدلاء ببياناتهم البيومترية، على أساس أن يشمل هذا القرار، مستقبلا، دول آسيا وباقي دول القارة الأمريكية، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية. وفضلا عن ذلك، يتم التحقق الأوتوماتيكي من بصماتهم، ثم تبادل المعلومات الخاصة بهم مع عدد من أجهزة الأمن العالمية، مثل “إنتربول” و”سكوتلانديارد” ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية “CIA”.
وتشمل الأسئلة الـ20 المقترحة في امتحان القبول للحصول على التأشيرة الكندية عددا من القوانين التي لا يتوجب على المهاجر الجديد الإجابة عنها فقط، بل الإقرار باقتناعه بها والسير في طريق العمل بها وتهمّ، على الخصوص، المساواة بين الجنسين وحرية المرأة والاعتراف بالمثلية الجنسية وزواج المثليين وإعلاء منطق العلمانية فوق أي إديولوجية شخصية، ثم حظر الرموز الدينية وغيرها.
وقد حُددت نسبة النجاح في الامتحان في 75%، أي التوفق في الإجابة عن 15 سؤالا فما فوق، وفي حال الرسوب فيه، يعمد المترشح إلى إعادته ثلاث مرات أخرى قبل رفض ملفّه بالكامل.
