إعداد: عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية

عندما تعرّف ضيف حلقة الليلة من “قصص أسماء مغربية سطعت في المهجر” بمتسلق نمساوي في 2003 ستتغير حياة ناصر بن عبد الجليل، الإطار الشاب (33 سنة) الذي يشتغل في صندوق استثمار بالدار البيضاء. ولأنه رياضي يهوى تسلق القمم والجبال، فقد حدّد بن عبد الجليل تحديا كبيرا لنفسه يتمثل في بلوغ جبل “إيفرست”، أعلى قمة في العالم…

لم يكن أحد يتصور أن ناصر بن عبدالجليل سيسعى جادا إلى تنفيذا هذا “التحدّي”. ولأنه يعشق التسلق والعدو، فقد تشبّث ببلوغ إيفرست، أعلى قمم جبال الهملايا والعالم (في الحدود بين التبت والنيبال) والتي يبلغ ارتفاعها 8 آلاف و848 مترا.

لتحقيق هذا الحلم، ظل “المغامر” المغربي الشاب يتدرب بين 10 ساعات و15 ساعة في الأسبوع، عدْواً أو ركوبا على دراجته الهوائية. وقال في هذا لسياق إن ممارسة الرياضة بالنسبة إليه بمثابة “تناول مخدّرات” سيفقد توازنه إذا تخلّى عنها.

وفي الوقت الذي كاد الجميع ينسون أمر التحدّي الذي رفعه، واصل بن عبد الجليل تحضير نفسه بدنيا ومعنويا. فقد كان يعرف أن المغامرة ستكون صعبة وشاقة وطويلة تستمر شهرين أو أكثر.

استغل بطل حلقتنا إذن العاملَ الوطني وطلب مساعدة مالية من شركات مغربية لتمويل مشروعه الرياضي. فتسلق إيفرست “مغامرة مالية” أيضا، قد تصل كلفتها إلى 45 ألف أورو. وفي هذا السياق قال بن عبد الجليل أن “كلفة التأشيرة وحدها، التي يجب دفعها لحكومة النيبال تقدر بـ20 ألف أورو، إضافة إلى كلفة الخيم والطعام والمرافقين والمرشدين (40 شخصا تقريبا).

بدأت قصة ناصر بن عبد الجليل مع التسلق في بداية الألفية الثالثة، عندما كان يشارك في سباقات الماراتون في باريس ولندن. في خضمّ ذلك سيلتقي برجل تسلّقَ جبل “ماك كينلي” في ألاسكا الأمريكية يبلغ ارتفاعه 6 آلاف و194 مترا. في تلك اللحظة أدرك ناصر بن عبد الجيل أن “الماراتون لم يعد منافسة شاقة مقارنة بالتسلق”. فانطلق في تسلق القمم، بدءا بجبال الألب (4 آلاف و810 أمتار) في 2003 وصولا إلى توبقالفي المغرب (4 آلاف و167 مترا) في 2009، مرورا بالـ”أكونغوا” (6 آلاف و959 مترا) الأعلى في أمريكا الجنوبية.

هكذا ترسّخت لديه روح المغامرة، التي وصفها بأنها “رياضية ومعنوية وفلسفية، إذ تجد نفسك أمام الطبيعة وتشعر بضعفك أمامها”.

كانت المغامرة محفوفة بالمخاطر، بحسب ما أقرّ به بذلك ناصر بن عبد الجليل وهو يسترجع ذكرى زميله لودوفيك شاليا، أحد أبرز المرشدين في تسلق الجبال، الذي لقي حتفه في انهيار ثلجي بالنيبال.. إنها رياضة يضع فيها المتسلق حياته في خطر باسم “مغامرة” قال عنها المتسلق الأمريكي إيد فيستارس “الصعود خيار ولكنّ النزول أمر حتميّ”.

وإذ فكّر في تنفيذ التحدّي الصعب، كان ناصر بن عبد الجليل يرو أن يكون قدوة لأطفال بلاده، مبديا استعداده لزيارة مدارس للتحدث مع الطلاب وتحفيزهم على تحقيق أحلامهم

أصرّ ناصر بن عبد الجليل، إذن، على تحقيق حلمه، متحديا كل الصعوبات والعراقيل التي كانت أمامه. صارع المرض وتحمل قسوة البرد القارس وقلة الأوكسجين ليرفع علم المغرب في أعلى قمة في العالم، قمة ”إيفرست” في جبال الهمالايا في آسيا.

تمكّن ناصر عبد الجليل من تحقيق التحدي في ظروف طبيعية صعبة جدا، إذ تنخفض الحرارة هناك إلى 40 درجة تحت الصفر على طول 225 كيلومترا من الجليد..

عامَين بعد رفعه العلم المغربي لأول مرة على أعلى قمة في العالم، دخل ناصر في تحدّ جديد يتمثل في بلوغ القطب الشمالي عبر التزلّج..

ظل ناصر مرتبطا بهموم سكان الجبال في المغرب، بالنظر إلى صعوبة الظروف الطبيعية لعيشهم في الجبال. ومن هذا المنطلق، التزم، بمساعدة جمعية محلية شريكة وبدعم من جماعة بوزمو، بجمع أموال لتمويل بناء مركز للتميز باسم “أماني” في إملشيل.

كما يعمل هذا المتسلق المغربي الذي سطع نجمه بوق قمّة إيفرست على تحسيس متتبعيه، سواء في القطب الشمالي أم في المغرب، بظاهرة الاحتباس الحراري وتأثيرها على البيئة.

بعد أن جعل العلم المغربي يرفرف في القطب الشمالي، يفكر ناصر بن عبد الجليل في خوض مغامرته المقبلة، وتتمثل في تحقيق حلم “القمم السبع” (سيفن ساميتس) الأعلى في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *