حسين عصيد
رغم عرض “الجوكر”، أحد أشهر الأفلام الهوليودية المُنتجة سنة 2019، والمرشح الأول للظفر بجائزة “الأوسكار”، التي ستُعقد فعالياتها يوم 25 فبراير القادم، في حفل افتتاح مهرجان الرباط لسينما المؤلف، وحصده لإعجاب جمهور السينما المغربي، فقد تمكن فيلم آخر، من لفت الإنتباه، رغم تواضع الميزانية المرصودة له، وانعدام شهرة القائمين عليه، وهم الفيلم السوداني “ستموت في العشرين” لمخرجه الشاب أمجد أبو العلا، المقتبَس من رواية “النوم عند قدمي الجبل”، للكاتب السوداني حمور زيادة، الحاصل على جائزة «نجيب محفوظ» في عام 2014، والذي أثار اهتمام عشاق الفن السابع المغاربة، لقوة موضوعه، وسلالة إخراجه التي أخرجته من نفق التنميط الذي يُلازم أغلب الأعمال السينمائية العربية. ذات الاهتمام حظى به في مهرجان البندقية السينمائي هذا العام، ليُواجهه الحضور بالدينة الأثرية الإيطالية بالتصفيق الحار آنذاك، مُعلناً ميلاد مدرسة سينمائية عربية جديدة، انبثقت من عمق القارة السوداء، لتنشر عبقها على باقي الدول العربية، باستثناء مصر، حيث السينما لم تتجاوز بعد مرحلة النضوج.
حاول أمجد أبو العلا، مخرج “ستموت في العشرين”، منذ سنوات، وبإمكانيات قليلة، تقديم تجربة فنية ذات أسلوب خاص، وهو يخوض في معاناة حقيقية، حيث لا تتوفر بيئة سينمائية ملائمة في بلاده، لكنه استطاع أن يستقطب الدعم الخارجي لتخطي أكبر عقبة تواجه صناعة صناعة الأفلام السودانية خاصة، والعربية على العموم.
يدور فيلم “ستموت في العشرين” حول قصة طفل سوداني فقير يعيش حياة حبلى بالخوف بسبب نبوءة أحد رجال الطرق الصوفية، والذي وعد أسرته بأنه سيموت في عقده الثاني على الأكثر، وبالتالي تأتي كل المشاهد اللاحقة منطوية على هذا الانتظار المرعب، القلق والخوف والترقب والحذر، والتحول من كائن بشري إلى ملاك لا يريد أن يقابل الموت وهو مثقل بالدنيا، لكنه في الوقت نفسه يظهر مصور سينمائي في حياته، محاولًا انتشاله من عزلة قاتلة، إلى الحياة والأمل.
خيبة الأم سكينة تكفن ملامح وجهها أثناء حفل الطقوس الدينة لمولدها الذكر، بعد أن صقعتها نبوءة الشيخ، بينما قرر والده الذي لم يتحمل وطأة الصدمة، الهجرة إلى أثيوبيا عقب مولد طفله مباشرة، لكن والدته تعمل جاهده على حمايته من المجتمع القاسي، ومن نظرات الناس التي لا ترى فيه إلا شخصا ميتاً.
إلا أن الطفل قاوم شياطينه غير المنظورة، ونزع قناع الميّت عن وجهه، ليخرج من عزلته، ويذهب إلى المدرسة القرآنية، محاولا بناء حياةٍ يشك في أنها ستطول إلى ما بعد العشرين، إلى أن ظهر المصور سلمان، ليمنح الطفل مبررًا كافيًا لكسب الحياة في مواجهة الموت، وإبطال النبوءة المشؤمة.
بدت جهود المخرج أمجد أبو العلا واضحة في الفيلم، والتي أتت كتعبير عن تطلعات الجيل السينمائي الجديد، والذي يؤمن بأنه قادر على العودة وإدهاش العالم، حيث رأى النقاد هذا العملَ على أنه ليس فقط مشاهد بصرية، ومدير تصوير عبقري، ومخرجا يحسن تحديد زوايا اللقطة واختيار أماكن التصوير، فقد كان الفيلم أيضاً موضوع وإدارة ممثلين وكسر رتابة الواقع عبر الإيحاء الفني، وتقديم أسئلةٍ لا يشترط أن تكون كونية، لكن أسئلة محرضة للروح والعقل معا.
