روبورتاج محمد الصغير
استبقت لجنة المراقبة الصحية بفاس حلول شهر رمضان بالوقوف على السلامة الصحية للتمور المعروضة للبيع بالسوق البلدي المعروف ب”واندو”، باعتبارها المنتوج الأكثر استهلاكا وعرضا في هذا الشهر المبارك.
من عادتها أن تقوم هذه اللجنة بخرجات ميدانية للوقوف على وضعية السوق في مختلف المواد الغذائية طيلة السنة بمعدل مرتين كل أسبوع (الثلاثاء والخميس). فكان أن تصادف الثاني من ماي الجاري مع الخميس الذي يسبق أول شهر رمضان المبارك، ليكون قرارها التوجه إلى سوق التمر للمعاينة.

ولكن قبل خروجها إلى سوق “واندو”، كان لا بد من اجتماع تنسيقي للجنة، التي تضم ممثلين عن مصلحة الاقتصاد والشرطة الإدارية والقسم الاقتصادي والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغدائية ومصلحة الصحة بجماعة فاس، فضلا عن ممثلي السلطة المحلية. وكان الاجتماع فرصة للجنة للتذكير بالمعايير المعتمدة في معاينتها للتمور، أجملتها في دردشة مع وكالة المغرب العربي للأنباء، في الوقوف على “جودة المنتوج وتاريخ صلاحيته وطريقة عرضه” داخل هذا السوق الذي تقتنع اللجنة أنه “غير صالح بتاتا” لبيع التمور.
هناك، عند مدخل باب الفتوح التاريخي في المدينة العتيقة يقع سوق “واندو”، الذي كان قد أُحدث قبل نحو 50 سنة على أنقاض فندق كان يحمل اسم “حجيرة” نسبة إلى مالكه. هو فضاء رحب يعجّ بالحركة طيلة النهار، حيث المتاجر المفتوحة متراصة ومنتظمة وعرض وفير من التمور، سواء منها المنتجة وطنيا أو المستوردة من بلدان عربية مجاورة.
لكنْ مقابل ذلك، كانت هناك حقيقة “مسيئة” للسوق، تتمثل في إطاره العام الذي يفتقر إلى أبسط شروط حفظ المنتوج، ما يمس بجودته، وأول محل تجاري توقفت عنده اللجنة عند مدخل السوق كشف ذلك.
بدا صاحب المحل مرتبكا وهو يرد على استفسارات اللجنة بخصوص فواتير التمور المعروضة والتي بها عيوب تحول دون معرفة منتجها أو الجهة الممونة. وزادته ارتباكا حالة الفوضى التي كانت سارية حينئذ بفعل صيحات طفل ضُبط متلبسا بسرقة علبة تمر في ملكية هذا العارض.
تتواصل جولة اللجنة لمتجر آخر دافع صاحبه عن منتجه بكونه صالحا للأكل، بينما تشدد اللجنة على أن به “حموضة” زاد حدتها طريقة التلفيف وتراكم العلب بعضها فوق بعض، بينما كان عضو آخر في اللجنة يتفحص محيط هذا المحل، الذي كانت فيه علب فارغة وممزقة وقطع بلاستيكية وأكياس مملوءة بمواد لا تمت بصلة للتمور.
وأمام تواري صاحب هذه العلب عن الأنظار، بقصد أو غير قصد، اضطرت اللجنة للمناداة على أمين التجار للاستفسار عن سبب وجود تلك الأشياء داخل هذا الفضاء.


وفي أحد أركان السوق، كانت هناك حقيقة أخرى “صادمة” لتمور فاسدة معروضة في ظروف غير سليمة في محيط متهالك على مستوى الجدران أو الأرضية، دون الحديث عن طريقة التلفيف وهشاشة العلب التي توجد فيها التمور. ورغم أن صاحب هذا المحل حاول الدفاع عن منتجه بأنه جيد وصالح للأكل، فإن اللجنة رأت غير ذلك، آمرة بحجزه، غير مبالية بتبريراته بسلامة معروضه وتوسلاته بأن يتدارك الأمر لاحقا، ملقيا باللائمة على البنية التحتية المتهالكة للسوق التي أثرت على جودة المنتج.
وتستمر عمليات المراقبة للجنة وترصد حالات أخرى تخص السلامة الصحية للتمور، وإن كان أغلبها يحمل الجودة المطلوبة ويستجيب للمعايير الموضوعة.
وأفاد عزيز تغزاز، عضو اللجنة عن مصلحة مراقبة المنتجات النباتية وذات الأصل النباتي بمدينة فاس بأن هذه الزيارة المفاجئة مكنت من الوقوف على تمور “تفتقر إلى مواصفات السلامة الصحية، إذ هناك عينات لا تحمل عنونة ولا مكان إنتاجها، فضلا عن أن علب تلفيفها ممزقة ومتهالكة، ما كان له التأثير السلبي على كميات كبيرة من المنتوج على مستويي الجودة والسلامة”.
وتابع تغزاز قائلا إن تراكم المنتجات بعضها على بعض وانتشار علب فارغة هنا وهناك وتلفيف التمور في علب استُعملت في تلفيف منتوجات أخرى، كلها أمور رصدتها اللجنة، مرجعا الحالة السيئة لكميات كثيرة من التمور إلى الوضعية المهترئة لسوق واندو، “الذي يجب إعادة تهيئته حتى يكون مؤهلا للتجارة”.
وحرص كمال الوريالي، رئيس مصلحة الصحة في مقاطعة فاس المدينة، على التذكير بأن جولة اللجنة روتينية وتدخل في إطار المهام الموكولة إليها لمراقبة السلامة الصحية للمواد الغذائية، إلا أن شهر رمضان يفرض تعاملا خاصا مع معروضات السوق، لا سيما تلك الأكثر استهلاكا في هذا الشهر المبارك، وأبرزها التمور.
ووضح الوريالي أن سوق “واندو”، ومن خلال عملية المراقبة هذه، تتوفر به تمور جيدة وتمور أخرى مشكوك في سلامتها وغير صالحة للاستهلاك، تم حجزها جميعا ونقلها إلى مطرح النفايات لإتلاقها. وختم قائلا “دونّا ملاحظات بخصوص عرض التمور داخل هذا السوق الذي قررنا، كجماعة، إغلاقه من أجل إصلاحه”.
انتهت اللجنة من زيارتها لسوق “واندو” بعد حجزها نحو 600 كلغ من التمور، في انتظار زيارات أخرى ضمن جولات ستكون يومية طيلة شهر رمضان في مختلف أسواق مدينة فاس.
وحسب اللجنة، فقد كان مقررا إغلاق سوق “واندو” للتمور قبل شهرين لإصلاحه وإعادة تأهيله، إلا أن المشروع تأجّل إلى ما بعد رمضان بطلب من التجار، لظروف اجتماعية بالدرجة الأولى.
