عقب الظهور المخيف لمنتخب المغرب أمام منتخب مالي، وعلاقة ذلك بمصير المدرب الركراكي، وحلم الظفر بكأس السمراء تفتح جريدة Le12.ma، باب نشر آراء إعلاميين وتقنيين كرويين ومؤثرين مهتمين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
في هذا الاطار يكتب الصحفي الشهير علي أنوزلا مقالا تحليلا والبداية من هنا:
كمّ الانتقادات الكثيرة والقاسية التي طاولت مدرّب المنتخب المغربي، وما رافقها من تعبئة هستيرية لجمهور مواقع التواصل الاجتماعي ضد المدرب واللاعبين، تكشف إلى أي حدّ نجحت السلطة بالمغرب في جعل كرة القدم مؤثرة في جمهورها، بما في ذلك جمهور يُحسب، نظريًا، على “النخبة”.
بعد التعادل المٌحبط أمام مالي، أصبح وليد الركراكي فجأة “فاشلًا”، ويُطالب كثيرون بإقالته فورًا، ولا أشك لحظة في أن الجمهور نفسه، وبالنبرة نفسها، سيعود لتمجيد الرجل ذاته إذا ما تحقق فوز في المباراة المقبلة.
هكذا يَصنعٌ جمهور الكرة “الأساطير” ويٌحطّمها بالسرعة نفسها، وبالسطحية نفسها، تماما كما وقع في مونديال قطر 2022، والذي حُوّله نفس الجمهور إلى “ملحمة تاريخية”، مع أنه لم يكن، في جزء كبير منه، سوى تراكُم صدف، كما لخّص ذلك ياسين بونو بعفوية لافتة حين قال: “كنا غير مقصرين”. أي كنا نُزجي الوقت. والكرة أصلًا، حين وُلدت، لم تكن سوى لعبة لتزجية الوقت، قبل أن تتحول إلى صناعة تجارية عملاقة تُدرّ المليارات، وإلى أداة سياسية فعّالة توظفها الأنظمة، إما للترويج لذاتها، أو لتخدير شعوبها، بحسب طبيعة كل نظام.
لهذا، فإن “الغضبة” التي اجتاحت مواقع التواصل ضد الركراكي ليست سوى زبد سيذهب جفاء إذا فاز المنتخب في المباراة المقبلة.. هي لحظات انفعال جماعي، لا أقل ولا أكثر.
أعترف منذ البداية: لا أهتم بالكرة، ولا أفهم في تكتيكاتها ولا خطط لعبها، ما يهمني فيها ليس المستطيل الأخضر، بل ما يجري خارجه، في السياسة، وفي علاقة اللعبة بالسلطة وبالجمهور، وما يُصرف عليها من مال عام، وما يُراد لها أن تؤديه في المجال العمومي. ما يشغلني أكثر هو “فلسفتها” السياسية، وكيف تُستعمل لإلهاء الناس، ولصرف أنظارهم عن الشأن العام، وعن السياسات العمومية التي تقرر مصيرهم اليومي.
أما ما يُسمّى “الرأي العام الكروي”، بما فيه حركات الألتراس، فلا يمكن التعويل عليه كقوة تغيير حقيقية، رغم بعض الشعارات الجريئة أو التقدمية التي ترفع أحيانًا، فهذه، في الغالب، لا تتجاوز كونها لحظات تنفيس جماعي، ينتهي مفعولها عند بوابات الملعب. التجارب كثيرة عن شعارات كبرى حول فلسطين، أو حول الأوضاع السياسية والاجتماعية في المغرب، رفعت في المدرجات، لكن دون أي أثر ملموس لها على أرض الواقع.
المدرجات الرياضية تحولت، في أحسن الأحوال، إلى فضاء تفريغ مؤقت للغضب، وربما، وهذا أخطر ، إلى قاعة “علاج نفسي جماعي” تُفرّغ فيها الطاقات السلبية، لتستمر الأوضاع كما هي، في انتظار المباراة المقبلة.
لعبة كرة القدم، بطبيعتها السائلة والمرنة، أداة مثالية بيد الأنظمة السلطوية، لتحويل الشعوب إلى جماهير سائلة بدورها حتى تكون سهلة التوجيه، سهلة التخذير، منشغلة بالناخب الوطني، بدل مساءلة “الناخب السياسي” الحقيقي.
هكذا، ينشغل الجمهور بانتقاد المدرب، وينسى توجيه النقد إلى من ينتج السياسات التي جعلت الناس أصلًا في حاجة إلى الكرة، كي ينسوا همومهم، دون أن يسألوا: من صنع هذه الهموم؟ وكيف؟ ولماذا؟.
علي أنوزلا / كاتب صحفي
