عبد الرزاق بوتمُزّار: le12.ma
ح. 8
بداية النّجاح..
المنصور الذهبي كانت غيرَ إعدادية عْرصة مُولايْ بوعْزّة. كنتُ كالمُنتقل من السّجن إلى الحُرّية. رغم بُعد المسافة بين المنزل والإعدادية، أحسستُ بانعتاق تامّ. كرّس ذلك الإحساسَ أستاذٌ للرّياضيات يختلف عن كلّ أولئك “المْعقّدينْ” من أقرانه الذين تركتُهم هناك في “بوعْزّة”؛ حتى التلاميذ كانوا أكثرَ شغباً وجُرأة.
بدَل تلك الطاولات الصّارمة، حيث كنّا نجلس مَثنى -مثنى، لكلّ واحد من التلاميذ هُنا كرسيه الخاصّ، يقعد عليه أينما شاء في فضاء الفصل. جعلني الأستاذ ضيّوف أتخلى، نسبياً، عن كُرهي لمادّة الأرقام؛ وإن ظللتُ على “تْكليختي” المُزمنة في فكّ طلاسمها وتشعباتها غير المفهومة.
ولأنّني كنتُ مُتميزً في ما عدَا الرّياضيات وأخواتِها، فقد صارتْ لي مكانة خاصّة بين الجميع. كسبتُ “صداقات” كثيرة، وسط أجواء تساعد على التحصيل والعطاء، ولم يعُدْ ضعفي في لغة الحساب “عقدة”.. كان معظم رفاق الفصل الجُدد “كُلخوزات” حقيقيين؛ حتى أنّني ما زلتُ أذكر يوماً انحفر في ذاكرتنا الجمعية؛ كلما تذكّرته انفجرتُ ضحكاً..
بمرور الأيام والفروض، انتبه الأستاذ ضيّوف إلى أنّ مُعظمَ أجوبتنا عن أسئلته تتشابه حدَّ التطابق. وكان من سوء طالعنا أنه لم يتأخّر في الوقوف على نقطة الضّوء الوحيدة في فصله؛ كان تلميذا اسمه يوسف النظمي. كانت المُعادَلات الرّياضية بالنسبة إليه تماماً مثل لعبة مُسلية. أثناء أحد الفروض، وما إن دوّن الأستاذ أسئلته على السّبورة حتى التفت إلينا قائلاً:
-لِنرَ الآن، كيف ستُعطُون كلّ تلك الأجوبة الصّحيحة والمُتشابهة؛ أتحدّاكم، جميعاً، أن تحُلّوا مُعادَلة واحدة!
قالها، ثم توجّه نحو يوسف واقتاده ليُجلسه في مكتبه الخاصّ، بعيداً عن الجميع. أفشَلَ الأستاذ بتلك المناوَرة الخُططَ التي كنّا قد وضعنا من قبلُ استعدادا لنقل أجوبة مُنقذنا الوحيد وتمريرها إلى بقية كُلخوزات الفصل. أصابت الحيرة الجميعَ، وهم يُحملقون في مُنقذهم الوحيد يُقتاد بعيداً عنهم ليجلس إلى مكتب الأستاذ؛ فيما الأخير يتنقل ضاحكاً بين الصّفوف، مُردّداً:
-أتحدّاكم أن تُجيبوا، مُجتمعين، عن نصف الأسئلة!..
ولم يَخِبْ ظنّه عندما جاءنا، بعد أسبوع، بأوراق أجوبتنا بعد تصحيحها. بخلاف النظمي، الذي نال 18/20، حققت نقطُ الجميع حُدودا قصوى في التواضع والتردّي.. لكنْ مع ذلك، كان الأستاذ ضيّوف سخيا في التنقيط ولا يُعِير كبيرَ اهتمام لتوجيهاتٍ في هذا الشّأن ولا كان يحتفظ بنقطه السّمينة لأخته أو زوجته!
كم كان النجاح سهلاً خلال ذلك الموسم الرّائع!
