لقد برهن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال هذا الحوار على قدرته على الجمع بين لغة الأرقام ولغة السياسة، ما جعل خطابه مؤطراً لمسار حكومة وُصفت منذ بدايتها بأنها حكومة التحديات الكبرى.
سعيد أيت باجا
يُعتبر الحوار الذي أجراه السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم 10 شتنبر 2026 مع القناتين الأولى والثانية، بمثابة الافتتاح الرسمي للموسم السياسي الجديد.
في لقاء لم يتجاوز ساعة وربع الساعة، تمكن رئيس الحكومة من تقديم صورة مقنعة عن حصيلة حكومته، جامعاً بين قوة الحجة ووضوح الرؤية، ومقدماً إجابات دقيقة على أسئلة الصحافة.
لقد برهن رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال هذا الحوار على قدرته على الجمع بين لغة الأرقام ولغة السياسة، ما جعل خطابه مؤطراً لمسار حكومة وُصفت منذ بدايتها بأنها حكومة التحديات الكبرى.
لهذا اقدمنا على تقديم قراءة تركيبية في مضمون ومحتوى هذا اللقاء الهام والاساسي، الذي يوضح أنع وفي ظرف أربع سنوات فقط، استطاعت حكومة السيد عزيز أخنوش أن تحوِّل التحديات الكبرى التي عرفها المغرب إلى فرص إصلاح حقيقية، مكرِّسة صورة حكومة تشتغل ببرنامج واضح وأغلبية متماسكة.
فبعد انتخابات 2021 وتشكيل التحالف الحكومي، وُضع برنامج حكومي متوافق عليه بين مكونات الأغلبية، ليصبح خارطة طريق لإصلاحات جريئة تجاوزت سقف التوقعات.
مرحلة دقيقة ومعقدة
أجمع العديد من المراقبين على أن المرحلة التي قاد فيها السيد عزيز أخنوش الحكومة كانت شديدة التعقيد والحساسية، جراء التراكمات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي عرفها المغرب، إثر تداعيات الجائحة والظرفية الدولية غير المستقرة.
ومع ذلك، شكّل الانسجام بين مكونات الأغلبية الحكومية عنواناً بارزاً ومقومًا أساسياً لنجاح التجربة، مما وفر أرضية سياسية قوية مستندة إلى التوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده.
وهو ما مكن الحكومة من التحرك بثقة لمعالجة ملفات شائكة لسنوات، كإصلاح سوق الشغل، النهوض بالقطاع الصحي، تعميم الحماية الاجتماعية، تقليص الفوارق الاجتماعية، وإصلاح المنظومة التعليمية.
تحول اقتصادي تترجمه لغة الأرقام
من أبرز ما طبع هذه التجربة الحكومية تنزيل خارطة طريق للتشغيل، مكنت من إحداث حوالي 1.45 مليون منصب شغل، وهو رقم غير مسبوق في ظل ظرفية اقتصادية صعبة. كما دعمت الحكومة القدرة الشرائية للأسر عبر:
1. زيادة أجور الموظفين والأجراء.
2. رفع أجور نساء ورجال التعليم بـ 1500 درهم على دفعتين.
3. إعفاء الأجراء الذين يقل أجرهم عن 6.000 درهم شهرياً من الضريبة على الدخل.
4. تخفيف العبء الجبائي على جميع الأجراء والموظفين، ما أدى إلى زيادات ملموسة في الأجور ابتداءً من يناير 2025.
هذه التدابير لم تكن مجرد إجراءات تقنية، بل تجسيداً لالتزام سياسي يهدف إلى تعزيز الثقة بين المواطن والدولة، وتحريك الطلب الداخلي لدعم الاقتصاد الوطني.
الدولة الاجتماعية.. تحول بنيوي
أعادت حكومة السيد عزيز أخنوش صياغة مفهوم الدولة الاجتماعية في مغرب حداثي يعي التحولات الإقليمية والدولية، ويضع المواطن في قلب العملية التنموية.
ومن أبرز الإجراءات المنفذة:
1. تعميم التغطية الصحية وضمان المساواة في سلة العلاجات.
2. رفع ميزانية الصحة من 19,7 مليار درهم سنة 2021 إلى 32,6 مليار درهم سنة 2025.
3. وصول الدعم الاجتماعي المباشر إلى 4 ملايين أسرة (12 مليونمستفيد).
4. تضاعف عدد الأرامل المستفيدات من الدعم ست مرات مقارنة مع 2021.
5. استفادة مليون مسنّ فوق 60 سنة من دعم شهري يحفظ كرامتهم.
6. تخصيص دعم استثنائي لـ 3,1 مليون طفل لمكافحة الهدر المدرسي.
هذه الأرقام تؤكد أن الحكومة لم تكن حكومة شعارات، بل حكومة أفعال وبرامج ملموسة أثرت مباشرة في حياة ملايين المغاربة.
المؤسسات القوية تبدأ بالثقة
حرصت الحكومة أيضاً على تعزيز الثقة في المؤسسات، سواء من خلال التجاوب مع البرلمان أو اعتماد لغة الأرقام في خطابها العمومي.
وقد بدا ذلك واضحاً في الحوار الأخير، حيث قدم رئيس الحكومة توضيحات دقيقة حول مشروع تحلية مياه الدار البيضاء باعتباره مشروعاً استراتيجياً، مبرزاً قانونيته وجدواه الاقتصادية.
كما استعرض الحصيلة المرتبطة بإعادة إعمار منطقة الحوز بعد الزلزال، بما شمل إعادة إيواء آلاف الأسر وبناء مدارس ومستشفيات جديدة.
لغة الأرقام في خدمة السياسة
أبرز الحوار أن رئيس الحكومة لا يكتفي بتسويق الإنجازات، بل يعتمد استراتيجية سياسية متوازنة تقوم على:
1. تقليل المخاطر السياسية عبر ضمان حياد العملية الانتخابية المقبلة.
2. التأكيد على الإصلاحات الملموسة في ملفات استراتيجية مثل المياه وإعادة الإعمار.
3. ترسيخ صورة الدولة الاجتماعية عبر مشاريع كبرى في الصحة والدعمالمباشر.
مخرجات اللقاء والخلاصة
بعد أربع سنوات من التدبير، يتضح أن حكومة السيد عزيز أخنوش لم تقتصر على تجاوز إرث صعب، بل أرسَت معالم الدولة الاجتماعية الحديثة، عبر إصلاحات جوهرية همّت الاقتصاد، والجبايات، والقدرة الشرائية، والبرامج الاجتماعية.
لقد شكل الانسجام السياسي والاستقرار الحكومي عاملاً حاسماً في إنجاح هذه التجربة، ليؤكد الحوار الأخير أن الإنجاز رغم التحديات لم يكن شعاراً سياسياً، بل واقعاً مثبتاً بالأرقام والمعطيات.
