محمد عبد الوهاب رفيقي
في مرات عديدة في حياتي كنت قريب جدا من الموت، ولكنْ هذه المرة، الأمر كان مختلفا تماما، عشت قصة رعب حقيقية واستسلام للموت بمعنى الكلمة..
بدأت القصة مع صعودنا إلى الطائرة التابعة لشركة خطوط إيرلندية، حيث أعلنت المضيفة أن الطائرة ستتأخر في الإقلاع لأن برج المراقبة لم يسمح لها بالانطلاق، لكنّ مضيفين آخرين في حديثهم الثنائي مع بعض الركاب كان لهم تبرير آخر، وهو أن الطائرة قديمة وفيها عطب يتم إصلاحه، لحظات وتناقل الركاب بينهم هذا الخبر، ما جعل الخوف يتسرب داخل الصفوف..
بعد انتظار ساعة وزيادة، المضيفة تعلن عن انطلاق الطائرة، ولكن الخوف كان ما زال مسيطرا على الموقف، دقائق بعد الإقلاع والتحليق، بدأت الطائرة تصدر أصواتاً مزعجة وقوية، وأكثر لما بدأت تضطرب وتميل يمينا وشمالا.. وعطات الانطباع بأنها غتسقط بعد لحظات…
هنا عشت لحظات لا أنساها، نساء أغمي عليهن، بكاء وصراخ بأصوات عالية، خصوصا الطائرة زادت ف اضطرابها وتزعزعها.. ومع كل زعزعة الصياح والبكاء والنحيب تيكثر، الناس شدّو ف يدين بعضياتهوم رغم أنهم لا يعرفون بعضهم البعض، وبعض النساء دخلو ف أحضان بعض مع البكاء والارتعاش…
كان قدّامي واحد السيد تيسافر معاه الابن ديالو لي عمرو 16 سنة، ولأول مرة سيركب الطائرة، الإجابن دخل ف واحد الحالة هستيرية من البكاء، والأب ديالو يصيح بأعلى صوتو: قل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، قبل ما يبدا الأب يصيح حتا هو بأعلى صوته مرددا الشهادتين، وهو ما زاد في بث أجواء الرعب والهستريا اللي وقعت ف الطائرة، واخا السيد مسكين قصد فقط تذكير الركاب…
عني شخصيا، اعتقدت أن الأمر قد انتهى، بديت فعلا تنفكر كيفاش الأسرة ديالي ستتلقى الخبر؟ وماذا ستفعل؟ طبعا، كنت ف حالة خوف شديدة، ولكن حاولت نثبت نفسي بالاستسلام للموضوع والاستعداد لما بعد الحياة، خصوصا أن الطائرة غي ما زادت ف الاضطراب…
اللي قلقني أكثر هو أن هاد الحالة كلها، اللي استمرت لحوالي ساعة، قائد الطائرة لم يكلف نفسه التواصل مع الركاب، ولا أخبرهم بالوضع لا أثناء تلك الحالة ولا بعدها، الطاقم، اللي فيه شباب منهم مغاربة، وجوههم ولات صفراء والتزموا الصمت المطبق، حتى انتهت حالة الاضطراب، وقاموا لتهدئة بعض الركاب وإمدادهم بالماء…
المشكل أنو بعد إعلان انتهاء الموضوع، رجع الربان بعد فترة وأعلن عن ضرورة ربط حزام السلامة وعدم التحرك، لأسباب لا نعرفها، وهو ما جدد حالة الرعب، رغم أن بعض الأوربيين معنا حاولو تلطيف الأجواء بترديد بعض الأغاني وإنشادها…
لكن الجميع لم يطلقوا زفرة الاطمئنان إلا عند التوقف الكامل للطائرة على الأرض. ولأول مرة، أجد نفسي أصفق لنزول الطائرة، وهو ما ليس من عادتي، لكنها كانت تجربة مؤثرة وعودة إلى الحياة بعد اعتقاد أنها النهاية… والحمد لله على سلامة الجميع.
