لم تعد حوادث السير في المغرب مجرد أرقام أسبوعية تُدرج في بلاغ رسمي صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني، بل تحوّلت إلى حرب حقيقية داخل المدن، حربٍ بلا هدنة ولا سلاح سوى التهور البشري والإهمال الجماعي، تسقط فيها كل أسبوع عشرات الأرواح ومئات الجرحى في صمتٍ مريب.
فخلال أسبوعٍ واحد فقط، من 6 إلى 12 أكتوبر الجاري، سُجلت 2453 حادثة سير داخل المناطق الحضرية، خلّفت 32 قتيلاً و3255 جريحاً، بينهم 134 إصاباتهم بليغة. هذه الحصيلة وحدها تكفي لتذكيرنا بأن “حرب الطرق” لا تهدأ، وأن الشوارع المغربية، رغم كاميرات المراقبة، وحملات التوعية، ومشاريع السلامة الطرقية، ما زالت تبتلع كل يوم ضحاياها.
وإذا كان البلاغ الأمني قد عدّد أسباب الحوادث، بدءاً من عدم انتباه السائقين والراجلين مروراً بـالسرعة المفرطة وتغيير الاتجاه دون إشارة وصولاً إلى السياقة في حالة سكر والتجاوز المعيب، فإن التحليل الأعمق يقود إلى سؤال أوسع:
هل يتعلق الأمر بسلوك فردي منحرف أم بفشلٍ بنيوي في منظومة السلامة الطرقية داخل المدن؟
الوقائع تقول إن المدن المغربية، التي تشهد توسعاً عمرانياً سريعاً ونمواً ديمغرافياً مضطرداً، لم تواكبها بنية تحتية قادرة على استيعاب هذا الزخم، لا على مستوى التشوير الطرقي ولا على مستوى المراقبة الرقمية الذكية. كما أن النظام التعليمي والتواصلي فشل في تحويل “ثقافة الطريق” إلى سلوكٍ يومي راسخ، ليظل الفضاء الحضري مجالاً للفوضى والأنانية المفرطة على حساب الأرواح.
وفي مقابل ذلك، أظهرت أرقام المراقبة والزجر مفارقة أخرى: 39 ألفاً و606 مخالفات تم تسجيلها، و6 آلاف و472 محضراً أحيلت على النيابة العامة، و7 ملايين و265 ألف درهم قيمة الغرامات الصلحية المؤداة. أرقامٌ تكشف يقظة أمنية واضحة، لكنها في الآن ذاته تُبرز أن الردع وحده لا يكفي إذا لم يُصاحَب بتربية طرقية حقيقية وبصرامة قضائية تُعيد الهيبة لقانون السير.
إننا أمام حربٍ غير معلنة، تسقط فيها أرواح شبابٍ وأسرٍ بأكملها على الإسفلت دون أن تُعلن حالة طوارئ وطنية في مواجهة هذا النزيف. وإذا كانت الدولة قد نجحت في تقليص حوادث القتل في الطرق الوطنية، فإن الجبهة الحضرية اليوم هي الأخطر، لأنها تمس الحياة اليومية للمغاربة في قلب مدنهم وشوارعهم.
إن حرب الطرق لا تُواجه بالشعارات، بل بثقافة جماعية جديدة تُعيد للمجال الحضري معناه الإنساني قبل أن يتحول إلى ساحة حربٍ بلا منتصر.
