شكلت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بشأن احتجاجات “جيل Z” في المغرب، محطة دبلوماسية لافتة أعادت رسم ملامح النقاش حول ما يجري في الشارع المغربي.

ففي الوقت، الذي عبر فيه غوتيريش عن أسفه العميق لسقوط ضحايا ومصابين خلال الأحداث الأخيرة، لم يتردد في الترحيب بموقف الحكومة المغربية وإعلانها استعدادها للحوار مع الشباب والاستماع لمطالبهم. هذا الموقف الأممي يضع المغرب في خانة الدول، التي تُحسب لها مبادرة الانفتاح على الشارع بدل مواجهته بالإنكار أو الصمت، وهو ما يعكس وعياً رسمياً بأهمية التفاعل مع التحولات الاجتماعية الجديدة، التي يقودها الجيل الرقمي.

“Le12.ma”: تحليل إخباري

غير أن إشادة الأمين العام بالخطوة الحكومية لم تحجب إدانته الصريحة لأعمال العنف التي رافقت الاحتجاجات. فقد شدد غوتيريش على أن التظاهر السلمي حق مشروع، لكن لا يمكن القبول بانزلاقه إلى أعمال عنفٍ تُزهق الأرواح وتدمر الممتلكات وتضرب في العمق أسس دولة القانون. هذا التمييز بين الاحتجاج كآلية للتعبير الديمقراطي وبين العنف كجريمة يعكس إدراكاً أممياً بأن المعركة الحقيقية ليست مع مطالب الشباب، بل مع الانفلات الذي يحاول التشويش على وجاهة تلك المطالب وشرعيتها.

وهذه هي خلفية دعوة غوتيريش الصريحة إلى السلطات المغربية لفتح تحقيق عاجل ونزيه لمحاسبة المتورطين، فهي تمثل رسالة مزدوجة: فمن جهة، هي تأكيد على ضرورة إرساء المساءلة والقطع مع الإفلات من العقاب، ومن جهة أخرى هي إشارة إلى أن المجتمع الدولي يتابع عن كثب مجريات الأحداث في المغرب، ويراهن على قدرة المؤسسات الوطنية على تقديم نموذج في احترام القانون والشفافية.

بهذا المعنى، يمكن القول إن موقف الأمم المتحدة يعكس معادلة دقيقة: دعم واضح للحكومة في انخراطها في الحوار، وتنديد لا لبس فيه بأي ممارسة عنيفة تهدد السلم الأهلي. وهي معادلة تضع على عاتق السلطات المغربية تحدياً مضاعفاً: تثبيت خيار الانفتاح السياسي من جهة، وضمان عدم إفلات المتورطين في أعمال العنف والتخريب من العقاب من جهة أخرى.

في النهاية، تبقى رسالة غوتيريش بمثابة إنذار مبكر وجرس إنعاش في الآن ذاته: إنذار ضد العنف الذي يهدد بتحريف مسار احتجاجات “جيل Z” وتحويلها إلى صدام دموي، وإنعاش لمسار الإصلاح من خلال الإعراب عن الوقوف إلى جانب المغرب والتنويه بالتعامل الحكومي الذي يدفع في اتجاه حوار صادق يعكس طموحات الشباب ويعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي للمغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *