شهد مشروع القانون التنظيمي القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية تغييرات هيكلية واسعة، مست جوهر التأسيس الحزبي والتمويل والانخراط.

ومن أبرز هذه التغييرات، توسيع قائمة الفئات “الممنوعة” من الانخراط أو التأسيس في الأحزاب، وإدخال مقتضيات تتيح للأحزاب تأسيس شركات استثمارية لأول مرة، مع وضعها تحت رقابة مشددة.

“أطر وموظفو الداخلية” ينضمون لقائمة الممنوعين

جاء في مشروع القانون التنظيمي الجديد توسيع دائرة المهن والأطر التي يُحظر عليها الانخراط أو تأسيس حزب سياسي.

فبالإضافة إلى أفراد القوات المسلحة الملكية، وأعوان القوات العمومية، ورجال وأعوان السلطة، والقضاة وقضاة المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات، والأشخاص الذين يمنعهم القانون من ممارسة الحق النقابي؛ أُضيف إلى هذه اللائحة “الأطر والموظفون التابعون لوزارة الداخلية أو العاملون بها بمختلف هيئاتهم”.

هذا التوسيع يعزز من مفهوم “الحياد السياسي” للوظائف والمهن ذات الحساسية والأهمية في الإدارة الترابية والأمن والعدالة، ويؤكد على ضرورة فصل هذه الأجهزة عن أي ارتباط أو انتماء حزبي قد يؤثر على تجردها ونزاهتها في تطبيق القانون.

إقرار استثمار الأحزاب وتدقيق الرقابة

في خطوة غير مسبوقة، أقر مشروع القانون التنظيمي حق الأحزاب السياسية في تأسيس شركات مملوكة لها بالكامل، بهدف استثمار عائداتها المالية في أنشطتها الحزبية.

وقد تم حصر مجالات هذا الاستثمار في أربعة أنشطة أساسية هي: التواصل والأنشطة الرقمية، وإصدار الصحف الناطقة باسم الحزب، والنشر والطباعة المرتبطة بالحزب، وأخيرًا خدمات الإعلام والتواصل الموجهة للتأطير السياسي.

غير أن هذا الحق الاستثماري الجديد لم يأت مطلقًا، بل أرفق بآلية رقابية صارمة، حيث أوجب القانون على المسؤول الوطني للحزب إيداع تصريح بتأسيس الشركة ومرفقاته (النظام الأساسي، مجال النشاط، الرأسمال، وهوية المسيرين) لدى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ التأسيس.

ولضمان الشفافية المالية، نص المشروع على إدماج نتائج حسابات الشركة ضمن الحساب السنوي للحزب المودع لدى المجلس الأعلى للحسابات.

وفي حال مخالفة هذه المقتضيات، يواجه مصير الشركة الحل بمقتضى حكم قضائي بناء على طلب من وزارة الداخلية، مما يؤكد على أن هذا الباب الجديد لتمويل الأحزاب سيكون تحت مجهر الرقابة الحكومية والقضائية.

شروط تأسيس الحزب.. تعزيز الحكامة والتمثيلية الجهوية والنوعية

شدد مشروع القانون التنظيمي على شروط تأسيس الأحزاب السياسية، بهدف ترسيخ ديمقراطية التأسيس وضمان تمثيلية واسعة ووازنة.

فبموجب التعديل الجديد، يجب أن يتضمن تصريح التأسيس في ورقة فريدة توقيعات مصادق عليها لـ12 عضوًا مؤسسًا، من بينهم أربع نساء على الأقل، مع شرط تمثيل كل جهة من جهات المملكة بعضو واحد على الأقل.

واشترط في هذا التصريح أن “تكون تسمية الحزب ورمزه مميزين عن تسميات ورموز الأحزاب السياسية المؤسسة قانونا”.

لكن المادة السادسة فرضت التزامًا أكبر يتجاوز الأعضاء الاثني عشر، إذ اشترطت التزامات مكتوبة في شكل تصريحات فردية لما لا يقل عن ألفي عضو مؤسس.

واشترط القانون الجديد أن يكون الأعضاء موزعون على جميع جهات المغرب (وليس ثلثي الجهات كما كان سابقًا)، وألا يقل عددهم عن 5 بالمائة من العدد الإجمالي للأعضاء المؤسسين (2000) في كل جهة.

وبخصوص التمثيل النوعي (النساء والشباب) اشترط القانون الجديد أن لا تقل نسبة كل من النساء والشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 سنة عن خُمس الأعضاء المؤسسين 20 بالمائة لكل فئة على حدة.

وتؤشر هذه التعديلات إلى رغبة تشريعية في بناء أحزاب قوية ومؤطرة جغرافيًا، قادرة على استقطاب الشباب والنساء، ومتمتعة بموارد ذاتية منظمة وشفافة، وفي الوقت نفسه، فصل الإدارة العمومية الحساسة عن الانخراط السياسي المباشر.

إدريس لكبيش/ Le12.ma

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *