بين رؤية الصين لمستقبل العالم وطموح المغرب في الاقتصاد الأخضر، يجسد لقاء الرباط نقطة تحول استراتيجية لشراكة عميقة ومستدامة.
في لحظةٍ تتبدّل فيها موازين الاقتصاد العالمي، وتتحوّل فيها الصين من “مصنع العالم” إلى مهندس منظومته الجديدة، جاء
استقبل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر، بالرباط، وفدا من كبار المسؤولين والفاعلين الاقتصاديين بمقاطعة آنهوي الصينية، بقيادة أمين الحزب الشيوعي الصيني بهذه المقاطعة، ليانغ يانشون.
لقاء عزيز أخنوش وليانغ يانشون، وما دار في هذا اللقاء من مباحثاث، تأكيد على أن الرباط وبكين لا تلتقيان في الاستثمار فقط، بل في رؤية مشتركة لمستقبلٍ عالمي متعدد الأقطاب، فقد شكّل اللقاء محطة جديدة في المسار التصاعدي للعلاقات المغربية-الصينية، التي ترسخها الإرادة المشتركة لقائدي البلدين، الملك محمد السادس والرئيس شي جين بينغ.
فبعد الزيارة السابقة لأخنوش إلى آنهوي سنة 2024، يأتي هذا الاجتماع، وفق ما جاء في بلاغ لرئاسة الحكومة توصّلت “Le12.ma” بنسخة منه، بمثابة تتويج عملي لتفاهماتٍ استراتيجية تفتح الباب أمام استثماراتٍ صناعية وطاقية واعدة.
توسّع الحضور الصيني في المغرب لم يعد حدثًا معزولًا.
فالمملكة أصبحت، خلال السنوات الأخيرة، أحد المراكز المحورية في خريطة استثمارات الصين بالقارة الإفريقية.
من صناعة السيارات الكهربائية إلى الطاقات المتجددة والبنيات التحتية الكبرى، واللافت أن الشركات الصينية تتعامل مع المغرب أكثر من مجرد سوق، بل كمنصة إقليمية للولوج إلى أوروبا وإفريقيا في آنٍ واحد.
وقد أعاد لقاء الرباط اليوم، يقول البلاغ ذاته، التأكيد على هذه المقاربة، من خلال بحث سبل تطوير الشراكة الاقتصادية وفق نموذجٍ متوازن يراعي التحول الأخضر، ويجعل من الانتقال الطاقي محورًا استراتيجيًا للتعاون بين البلدين.
فالطاقة الخضراء بقدر ما هي رافعة للتنمية، هي أيضا وأساسا ورقة قوةٍ دبلوماسية ستمنح المغرب موقعًا رياديًا في منظومة الاقتصاد المستدام التي تقودها الصين عالميًا.
اختيار مقاطعة آنهوي الصينية، بالنسبة لرئيس الحكومة المغربية، ليس صدفة. فهذه الجهة تُعد من أكثر المناطق الصينية ديناميةً في مجالات الصناعة التكنولوجية والسيارات والطاقة المتجددة.
وبحضور أمين الحزب الشيوعي ليانغ يانشون في الرباط، أرادت الصين أن توجّه رسالة واضحة مفادها أن تعاونها مع المغرب لن يكون موسمياً، بل مؤسساتياً ومنظمًا، يقوده الحزب والدولة والمستثمرون معًا في إطار رؤية موحّدة.
من جهة أخرى، يجد المغرب في الصين شريكًا مثاليًا لتسريع نهضته الصناعية بعيدًا عن منطق التبعية التقليدية للغرب.
فالصين لا تفرض إملاءات سياسية، بل تقدم شراكات قائمة على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، وهي فلسفة تنسجم تمامًا مع العقيدة المغربية في تنويع الشركاء الاستراتيجيين.
أما من جهة بكين، فإن المغرب يمثل نقطة ارتكاز رئيسية في مبادرة “الحزام والطريق”، وممرًا آمنًا نحو الأسواق الإفريقية والأوروبية، بما يجعله جزءًا من الجغرافيا الجديدة للتجارة العالمية التي تعيد الصين رسم ملامحها بهدوء وحنكة.
لقاء أخنوش بوفد آنهوي يعتبر إشارة رمزية إلى تموضع المغرب ضمن القوى الصاعدة، التي تراهن على الشراكة مع الشرق بدل الارتهان إلى الغرب.
فالصين اليوم هي شريك اقتصادي، لكنها أكثر من ذلك شريك في بناء المستقبل، والمغرب بدوره لم يعد متلقيًا للاستثمار، بل صانعًا لخياراته الاستراتيجية في عالمٍ يعيد توزيع مراكز القوة.
بهذا المعنى، يكون استقبال أخنوش لوفد آنهوي بالرباط هو لقاء بين رؤيتين: رؤية مغربية تبحث عن موقعٍ متقدم في الاقتصاد العالمي الأخضر، ورؤية صينية ترسم ملامح نظامٍ دولي جديد قوامه التعاون لا الهيمنة…
*أحمد عبد ربه le12
