في خطوة إصلاحية تروم تحديث الإطار القانوني للمبادلات التجارية وتخفيف الضغط على المنظومة القضائية، قدمت الحكومة مشروع قانون رقم 71.24 لتعديل وتتميم مدونة التجارة.
ويهدف المشروع، وفق ما جاء في مذكرته التقديمية، إلى تعزيز الثقة في وسائل الأداء كالشيك والكمبيالة، مع تبني مقاربة جديدة تجمع بين الردع والمرونة وتوسيع نطاق التسوية والصلح.
ويأتي هذا الإصلاح استجابة لتحديات إحصائية كبيرة، حيث كشفت معطيات بنك المغرب لعام 2024 عن رصد 972 ألف عارض أداء للشيك، وأكثر من 55 بالمائة منها بسبب انعدام أو عدم كفاية الرصيد.
كما سجلت المحاكم بين 2022 ومنتصف 2025 أكثر من 180 ألف شكاية، نتج عنها متابعة ما يزيد عن 76 ألف شخص، منهم 58 ألفًا في حالة اعتقال، مما يبرز العبء القضائي والاجتماعي لهذه القضايا.
تحول جوهري في قانون الشيكات
شهدت الأحكام الخاصة باستخدام الشيك تعديلات جوهرية تركز على توسيع آليات التسوية والصلح، مانحة بذلك فرصة للمدينين لتصحيح وضعهم قبل اللجوء إلى العقوبة الحبسية.
1. توسيع نظام الصلح الجنائي:
أقر المشروع توسيع نظام المصالحة أو الصلح الجنائي ليشمل جميع مراحل الدعوى، بما في ذلك مرحلة تنفيذ العقوبة.
يتيح هذا النظام للمخالف تسوية وضعيته عبر الأداء أو التنازل عن الشكاية، مما يؤدي إلى عدم تحريك الدعوى العمومية أو إسقاطها، وهو ما يعد ركيزة أساسية لترشيد الاعتقال وتخفيف الضغط القضائي.
2. إجراءات الإنذار قبل الزجر:
أصبح لزامًا على النيابة العامة، بموجب المشروع الجديد، إشعار الساحب (مصدر الشيك) بضرورة توفير الرصيد خلال فترة 30 يومًا قبل تقديمه أمام القضاء.
كما أتيحت إمكانية تمديد هذا الأجل بموافقة المستفيد، مكرسًا بذلك مبدأ الإنذار المسبق ومانحًا فرصة ثانية للمدين.
3. تخفيف العقوبات وتطبيق البدائل:
شملت التعديلات تخفيفًا ملموسًا للعقوبات، حيث تم تخفيض مدة العقوبة الحبسية المقررة لجريمة إصدار شيك بدون رصيد لتصبح محصورة بين سنة وسنتين، بعد أن كانت تتراوح بين سنة وخمس سنوات.
إضافة إلى ذلك، أتاح المشروع إمكانية اللجوء إلى تدابير المراقبة القضائية، كالسوار الإلكتروني، كبديل عن الاعتقال، مع التفريق في العقوبة بين حالات الإهمال البسيط وحالات التزوير أو التزييف.
4. الإعفاء لأسباب اجتماعية:
تم النص على إعفاء جنحي في حال ارتكاب الفعل بين الأزواج أو الأصول أو الفروع من الدرجة الأولى، وهي خطوة تهدف إلى مراعاة الروابط الأسرية والحفاظ على تماسكها.
تعزيز الثقة في الكمبيالة والدور البنكي
لم تقتصر التعديلات على الشيك فحسب، بل شملت أيضًا الكمبيالة لتعزيز الثقة في هذه الوسيلة التجارية، وذلك بتنظيم الكمبيالة المسحوبة على مؤسسة بنكية كبديل أكثر موثوقية للكمبيالة العادية.
كما عُزز دور المؤسسات البنكية لتصبح أكثر فاعلية في مراقبة العمليات، بدءًا من تسليم دفاتر الشيكات وصولًا إلى استرجاعها عند تسجيل عوارض الأداء، وتوفير ضمانات أكبر لحقوق المستفيدين، في مسعى لاسترجاع الثقة في النظام القانوني للشيك وتدعيم الأمن المالي والقانوني لدعم الاستثمار.
خمسة أهداف للإصلاح
تلخص المذكرة التقديمية أهداف القانون الجديد في خمسة محاور أساسية: استرجاع الثقة في الشيك عبر تأهيل نظامه القانوني، تعزيز الأمن المالي والقانوني لدعم الاستثمار، تقليص الاعتماد على النقد وتوسيع الشفافية المالية، ترشيد الاعتقال وتخفيف الضغط القضائي عبر توسيع نطاق الصلح، وأخيرًا، تحقيق التناسب بين الجريمة والعقوبة وفق رؤية قانونية أكثر إنسانية.
ويُنتظر أن يساهم مشروع القانون رقم 71.24، في حال إقراره، في إحداث نقلة نوعية في التعاملات التجارية، عبر الموازنة بين حماية حقوق المستفيدين ومنح فرصة للساحبين لتسوية أوضاعهم، مما يعزز مرونة البيئة الاستثمارية ويخفف العبء الاجتماعي والقضائي لقضايا الشيكات.
إ. لكبيش / Le12.ma
