تؤكد رؤية الحكومة على جعل الإصلاح التعليمي ورشًا متكاملاً ومترابط الحلقات، يواكب المستجدات المحلية والدولية، ويؤسس لجامعة مغربية حديثة.
تحليل إخباري – محمد ابن إدريس
وضعت حكومة عزيز أخنوش مشروع قانون لإصلاح التعليم العالي في المسار التشريعي، في خطوة استراتيجية تؤكد حرص الدولة على إعادة توجيه هذا القطاع الحيوي بما يتناغم مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي يشهدها المغرب. فالتعليم العالي لم يعد مجرد فضاء أكاديمي، بل أصبح أداة مركزية لصناعة الكفاءات الوطنية وتعزيز الابتكار، بما يدعم التنمية المستدامة ويقوي القدرة التنافسية للمملكة على المستويين الإقليمي والدولي.
إن مرور 25 سنة على آخر إصلاح شامل للجامعة المغربية يعكس تراكم التحديات الهيكلية والتغيرات المتسارعة التي واجهها القطاع.
خلال هذا الربع قرن، شهد المغرب تحولات جوهرية في البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما يفرض على الجامعات أن تتحول إلى مؤسسات ديناميكية قادرة على التكيف مع المتطلبات الجديدة لسوق العمل، وإنتاج حلول مبتكرة تسهم في دفع عجلة التنمية الوطنية.
التعليم العالي، المسؤول عن تكوين الكفاءات القادرة على تلبية حاجيات سوق العمل، لا يمكن أن يؤدي دوره الحيوي إلا إذا ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالتحولات الاقتصادية المحلية، ومتطلبات القطاعات الاستراتيجية، والتطورات العالمية في البحث العلمي والابتكار.
فالجامعات مطالبة بالاستفادة الفعلية من مخرجاتها لدعم مشاريع التنمية الوطنية، وإعداد كفاءات قادرة على المنافسة داخليًا وخارجيًا، بما يعزز مكانة المغرب وقدرته على المنافسة في الاقتصاد والمعرفة على الصعيد الدولي.
وقد أحدث تحوّل البنية الاقتصادية، وصعود قطاعات جديدة واعدة، وانخراط المغرب في سلاسل القيمة العالمية حاجيات متجددة في المهن والكفاءات. وهنا يظهر الدور المحوري للحكومة، التي وضعت هذا الإصلاح كاستجابة استراتيجية لمشكلة الخصاص في الأطر المؤهلة، خصوصاً في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والصناعة والطاقة، مع دمج الرقمنة والذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، بما يعكس رؤية شاملة لإعادة توجيه الجامعة نحو الفاعلية والتأثير.
ولا يكتمل الإصلاح الشامل للتعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، الذي انطلق خلال السنوات الأخيرة، إلا إذا امتد تأثيره إلى الجامعة.
وتؤكد رؤية الحكومة على جعل الإصلاح التعليمي ورشًا متكاملاً ومترابط الحلقات، يواكب المستجدات المحلية والدولية، ويؤسس لجامعة مغربية حديثة تستجيب لتطلعات المجتمع وتعزز التنمية المستدامة على المستويات المركزية والجهوية والمحلية، مع تعزيز الروابط بين البحث العلمي واحتياجات الاقتصاد الوطني والعالمي.
وجسّدت هذه الإرادة السياسية مصادقة مجلس الحكومة، المنعقد يوم الخميس 28 غشت بالرباط، على مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، كإطار قانوني شامل يدعم الهيكلة الجديدة للجامعة ويؤطر دورها المجتمعي والاقتصادي.
ويأتي المشروع في سياق تنفيذ أحكام القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الصادر بموجب الظهير الشريف رقم 1-19-116 بتاريخ 9 غشت 2019، ولاسيما مادته السابعة عشرة، ما يعكس التزام الدولة المستمر بإصلاحات هيكلية عميقة تتماشى مع متطلبات العصر.
ويهدف المشروع إلى تعزيز الدور الاستراتيجي للتعليم العالي والبحث العلمي في دفع عجلة التنمية الوطنية، وتكوين رأسمال بشري مؤهل قادر على مواكبة السياسات العمومية والبرامج الكبرى، وهو ما يعكس التزام الحكومة بجعل الجامعة رافعة أساسية للتنمية ومصدراً مركزياً للكفاءات الوطنية في مختلف المجالات.
كما يسعى المشروع إلى وضع أسس واضحة للسياسة العمومية في التعليم العالي والبحث العلمي وتنظيمه، عبر تحديد قواعد الهيكلة ونظام الحكامة والهندسة البيداغوجية واللغوية، وإرساء آليات فعالة للمواكبة والمتابعة والتقييم، لضمان تحقيق أهداف الإصلاح وتعزيز أثره الإيجابي على المجتمع والاقتصاد الوطني.
