محمد بنقدور الوهراني

 

تتعدد الأسباب ويظل الموت واحداً، ولكنْ أن يموت شاعر داخل خيمة نشاط ثقافي بصعقة كهربائية نتيجة إهمال تقني كهربائي فهذا لا يحدث إلا نادرا ونادرا جدا.

الكثير من المهتمين والمتابعين للشأن الثقافي في المغرب، وهم يتأسفون على سقوط شاعر في أرض معركة الثقافة، أعادوا طرح أسئلة الاعتبار والاهتمام والتبخيس والإهمال التي يعرفها قطاع الثقافة في المغرب وحالة الإحباط التي تسيطر على المثقفين المغاربة عموما.

على مر التاريخ المغربي الحديث، كان المثقف المغربي، في الغالب العامّ، يؤدي دوره كاملا في تأطير المجتمع وتنويره وفتح آفاق المعرفة في أوساط الطلبة والتلاميذ والمهتمين، بأريحية وتضحية ونكران للذات استحقت انتباه الماسكين بخيوط التنمية الثقافية في المغرب. وعلى مر التاريخ المغربي الحديث، كذلك، كان المثقف هو الموجه الأساسي لدعوات الإصلاح الاجتماعي، كما كان هو الخلفية الفكرية لكل تحرك سياسي ينزع نحو التغيير والتقويم والإصلاح.

فما الذي تغير في المغرب حتى أصبح الشأن الثقافي في ذيل اهتمامات الدولة؟ ما الذي تغير حتى أصبحت الثقافة المغربية في حالة أزمة دائمة؟ ما الذي وقع حتى أصبح المثقف المغربي يموت بين الأرجل في نشاط ثقافي رسمي وبرعاية رسمية؟! هل الأمر مرتبط بالتغيرات البنيوية والجوهرية التي عرفها المجتمع المغربي، ارتباطا بتغيرات العالم الكبيرة والعميقة؟ هل الأمر مرتبط بأزمة ذات وهوية؟ هل الأمر متعلق بسوء فهم لدور المثقف في المجتمع؟ كيف تحولت مهمة المثقف من موجه ومنتج للأفكار إلى تابع ومستهلك لما تجود به جهات من فتات لا يسمن ولا يغني من جوع، مادي وفكري؟ لماذا، بين عشية وضحاها، أصبح المثقف المغربي غير مؤثر ولا يرضى بغير تسجيل الحضور بأبخس الأثمان وأضعف الإيمان؟!..

كان “عيد الكتاب” في تطوان، بالفعل والقوة، عيداً، بكل ما يحمله المصطلح من معنى، والتطوانيون يذكرون منذ أزيد من عشرين عاما حالة الاحتفال الكبرى التي كان يعرفها “عيد الكتاب” عندما كان ينظم في ساحة المشور، المحاذية للقصر الملكي، بمشاركة الكثير من دور النشر الكبرى وبحضور جماهيري غفير ورعاية رسمية معتبرة.

التطوانيون، والكثير من المثقفين المغاربة، يذكرون كذلك المشاركات الوازنة لعدد كبير من المثقفين المغاربة، الذين كان “عيد الكتاب” مناسبة لهم للالتقاء بجماهير تطوان المتابعة والمهتمة والمطلعة، وفق برنامج غني بكتبه وبكتابه. وفي الوقت نفسه، كانت دار الصنائع في تطوان وغيرها من الفضاءات التاريخية شاهدة على تنظيم لقاءات وأمسيات وتوقيعات بكيفية كانت تعد مفخرة لتطوان وأهلها.

بمرور الزمن، أصبح “عيد الكتاب” ينظم في مكان آخر، بالقرب من “باب العقلة”، ثم في الفدان القديم، وفي كل سنة كان يفقد الكثير من رونقه وإشعاعه، كما كان يفقد رصيده وبعده الجماهيري.

من يتحمل مسؤولية هذا التراجع المهول في القيمة التاريخية لـ”عيد الكتاب” في تطوان؟ هل كان القطاع الوصي، ونعني به وزارة الثقافة، يسهم في هذا المآل المحزن لعيد الكتاب وهو يقزّم دعمه له عاما بعد آخر؟ هل غياب الداعمين، من شتى الاتجاهات، في تطوان لمناسبة ثقافية من حجم عيد الكتاب له ما يبرره، تسويقيا وثقافيا؟ كيف انقلب الحال في تطوان وأصبح عيد الكتاب مأتما؟

قد تتناسل الأسئلة وقد تتعدد الأجوبة أو تتعارض بناء على وجهة نظر أو قراءة أي طرف من الأطراف المرتبطة بعيد الكتاب والمتفاعلة معه، ولكنْ كيفما كان الحال، فإن سقوط رئيس الجمعية المنظمة لعيد الكتاب صريعا نتيجة صعقة كهربائية وضّح، بكيفية لا تستدعي النقاش أو الجدال، أن هذه اللقاء الثقافي المهم في تاريخ تطوان، والذي احتفل هذه السنة بعيده الحادي والعشرين، وصل إلى نتيجته الحتمية في التراجع والتردي والاستهتار والإهمال.

كانت جنازة المرحوم الأديب محسن أخريف، شهيد عيد الكتاب، تعبيرا عن غضب المثقفين المغاربة لما وقع في خيمة العروض، الفاقدة لشروط العرض، محمّلين المسؤولية للجهات الرسمية، مطالبين بفتح تحقيق في موضوع موت الشاعر، ناسين أن المسؤول الأول والأخير هو المثقف نفسه، الذي يقبل بأقل ما يمكن، في الوقت الذي يجب أن يكون هو أعزّ ما يمكن!

هل ينتبه المثقفون المغاربة إلى شروط ودروب وآفاق العمل التي يشتغلون فيها؟ هل يطالب المثقفون المغاربة بتحسين وضعية أنشطتهم الثقافية، باعتبارهم فاعلين اجتماعين يستحق عملهم التقدير؟ لماذا لا يقاطع المثقفون المغاربة أي نشاط لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة، من دعم وأمن واهتمام وحماية؟ هل تتحمل الجهات المعنية بالشأن الثقافي مسؤوليتها كاملة وتعطي ثقافةَ الكتاب، والأدب عامة، ما يستحق من اهتمام، أسوة بالمجالات الأخرى، الفنية والرياضية والجمعوية؟ متى ينتهي بؤس الثقافة في المغرب؟

في مثل هذه المناسبات المأساوية، كثيرا ما يردد المغاربة مقولة “كية اللي جات فيه”.
رحم الله الأديب محسن أخريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *