شهدت قبة البرلمان، وتحديدًا في لجنة القطاعات الاجتماعية، مسرحية فصلية جديدة تحت عنوان: “صراع العمالقة.. قبل الغداء الفاخر”.

البطلان، كما تعلمون، هما عبد الصمد حيكر، البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، وسعد برادة، وزير التربية الوطنية وصاحب “الدومين” الذي هو في عين العاصفة دائمًا.

بدأ الفصل الأول بصوت جهوري، وخطاب “الرجل الذي لا يخشى في الحق لومة لائم”.

حيكر، بشجاعة تضاهي بياض قميصه، وجه سهام النقد الثقيلة للوزير، موجزًا تشخيصه بعبارة تاريخية لا تقل أهمية عن “أعطني القلم لأوقع”: “أنت ما عندك علاقة بالدومين!”.

كلام غليظ، قصف مركز، وتعبير عن موقف الأمة كلها التي تعاني من الدخول المدرسي.

زاد حيكر من عيار المدفعية، قائلًا ما قاله، ومُجْلِجًا ما أجلجه، مُذَكِّرًا الوزير بأنه ليس أهلًا للمنصب.

هنا، يختتم الفصل الأول. الأضواء تنطفئ قليلًا. والجمهور يتوقع أن يخرج حيكر مرفوع الرأس، مُعْلِنًا انسحابه من قاعة “الخطأ والتوجيه”، تاركًا الوزير يتأمل فداحة موقفه.

لكن! هناك فصل ثانٍ أروع، يحتاج إلى موسيقى تصويرية من نوع “تبديل الموقف السريع”.

بمجرد أن أسدل ستار النقاش ورفع ستار “بوفيه الغذاء الفاخر، الذي قيل إنه مطبوخ على الفاخر”، انقلبت الموازين رأسًا على عقب.

تحول حيكر من “وجه المعارض الشرس” إلى “قفا الوديع المُحِب”.

الرجل الذي اتهم الوزير بعدم الأهلية قبل لحظات، لبسه بالمدح، ناسيًا (أو متناسيًا) كل ما قاله.

لم يعد الوزير “لا علاقة له بالدومين”، بل أصبح فجأة: “أسي الوزير، راه بغيناك تنجح!”.

يا للعجب! أي نجاح يتحدث عنه؟ النجاح في إتقان فن تناول طبق دسم، أم النجاح في قيادة سفينة التعليم؟ ولم تكتمل فصول الكوميديا إلا بـ “الصورة الألف كلمة”.

ففي مشهد يذكرنا بأفلام “الرفقة تحت الشدة… والرخاء”، نجد بطلنا، حيكر، قد اختار مقعده الاستراتيجي بجوار الوزير.

الكتف بالكتف، والضحكات المتبادلة، وكأنها ضحكات على نكتة النقاش الساخن الذي جرى قبل ساعة.

هنا يكمن سحر السياسة المغربية: أن تكون معارضًا صلبًا في القاعة، وصديقًا حميمًا على مائدة الطعام.

أن تستخدم “وجهك” للقصف أمام الكاميرات، ثم تستخدم “قفَاك” (وهو تعبير مجازي عن التحول اللحظي) للمداهنة والمؤاكلة.

الأهم هو ألا يفوتك الغذاء، وأن تُبقي خط الرجعة دافئًا، فربما تحتاج الوزير في “دومين” ما.

البرلماني لا يفصل بين موقفه ومعدته، بل يجمعهما في تناغم فريد.. الغداء الفاخر هو “الفاصل” الذي ينسف كل “واصل” من الانتقاد.

نصيحة للمواطن البسيط: لا تأخذوا النقاشات البرلمانية على محمل الجد، فكلما ارتفعت حدة الصوت، تأكدوا أن مائدة الطعام ستكون أكثر سخاءً وضحكًا.

وفي النهاية، لا يتبقى لنا إلا أن نقول: “باز” لهذا الفن الرفيع في قلب وجهك في غمضة عين، وندعو الله أن يوفق الوزير في النجاح… في هضم الغذاء أولًا.

ملاحظة أخيرة: لو كان الغذاء مجرد “طاجين شعبي”، لربما بقي حيكر على موقفه الصارم.

لكن “الفاخر” له سلطة سحرية على تغيير المواقف. شكراً للفاخر، وشكراً للوزير، وشكراً لحيكر، الذي أتحفنا بصورة تختصر المشهد السياسي.

* إدريس لكبيش / Le12.ma

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *