في حوار مع جريدة LE12.MA من خمسة محاور، يقدم أنور الهزيتي، الباحث المتخصص في العلوم السياسية، قراءات متعددة لعدد من أعطاب المنظومة السياسية المغربية، والمطالب الإصلاحية، من أجل تجويد الإنتاج الانتخابي في المغرب.

 في هذا المحور يتحدث أنور الهزيتي، عطب الترحال السياسي الذي يعرقل  الى جانب أعطاب أخرى إصلاح المشهد الحزبي والقانون الانتخابي.

أجرى الحوار- محمد سليكي

كيف تقيمون واقع الترحال السياسي، حاليا، في المشهد السياسي الوطني؟

قي الواقع، يُعد الترحال السياسي من أبرز مظاهر الاختلال في المشهد السياسي المغربي ويعكس ضعف الانتماء الحزبي وهيمنة الحسابات الشخصية والانتهازية على حساب المبادئ والبرامج الحزبية. فرغم بعض الإصلاحات الدستورية والقانونية التي حاولت الحد من هذه الظاهرة لا سيما على مستوى البرلمان إلا أن الترحال لا يزال حاضرا بقوة في المجالس المنتخبة والمحطات الانتخابية وهو ما يكرس صورة سلبية عن النخب السياسية ويُضعف ثقة المواطنين في الأحزاب والمؤسسات التمثيلية ويؤثر سلبا على استقرار المجالس وفعالية العمل الديمقراطي ويتطلب هذا الوضع معالجة قانونية ومؤسساتية شاملة تقوم على تقنين الترحال وربطه بفقدان التمثيلية وتعزيز التكوين السياسي داخل الأحزاب وترسيخ ثقافة الالتزام والمسؤولية السياسية.

 

هناك من يربط الترحال السياسي بغياب المبادئ والقناعات السياسية الحقيقية، ما رأيكم؟

أكاد أجزم، أن الربط بين الترحال السياسي في المغرب وغياب المبادئ والقناعات السياسية الحقيقية هو طرح وجيه إلى حد كبير، ويعكس جزءاً مهماً من الواقع السياسي الوطني، حيث يُلاحظ أن عدداً من الفاعلين السياسيين يفتقرون إلى انتماء فكري أو إيديولوجي واضح، ويتنقلون بين الأحزاب وفقاً لمصالح ظرفية تتعلق بالموقع الانتخابي أو فرص التموقع داخل مؤسسات الدولة أو الجماعات الترابية.

هذا السلوك يعكس هشاشة الثقافة الحزبية وضعف التأطير السياسي داخل الأحزاب، إضافة إلى ضبابية البرامج وتداخل المرجعيات بين العديد من الهيئات الحزبية، مما يجعل الانتقال من حزب لآخر لا يُعتبر كلفة سياسية أو أخلاقية بالنسبة للبعض.

وبالتالي، فإن غياب القناعات السياسية الراسخة هو أحد الأسباب الجوهرية لهذه الظاهرة، ويُسائل في العمق وظيفة الأحزاب كمدارس لتكوين النخب وترسيخ الالتزام السياسي.

 

في نظركم، من يتحمل مسؤولية استمرار ظاهرة الترحال السياسي ؟

في الحقيقة، مسؤولية استمرار ظاهرة الترحال السياسي في المغرب تتحملها عدة أطراف بشكل مشترك. أولاً، الأحزاب السياسية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية بسبب ضعف تأطيرها لأعضائها، وتهاونها في فرض الانضباط الداخلي، بل وفي بعض الأحيان تشجيعها غير المباشر للترحال من خلال استقطاب منتخبين من أحزاب أخرى لتحقيق مكاسب انتخابية سريعة.

ثانياً، النخب السياسية نفسها تتحمل المسؤولية، إذ يعكس سلوكها غياب الالتزام الأخلاقي والسياسي، وتفضيل المصالح الشخصية على القناعات والبرامج.

ثالثاً، الإطار القانوني والمؤسساتي لا يزال غير كافٍ لردع هذه الظاهرة، رغم بعض المقتضيات القانونية التي تم إقرارها بعد دستور 2011، مما يفرض على المشرّع تحمل مسؤوليته في سنّ قوانين أكثر صرامة لضمان احترام الإرادة الشعبية.

وأخيراً، يُمكن القول إن المواطن أيضاً مسؤول بشكل غير مباشر، عندما لا يُحاسب المترحّلين في صناديق الاقتراع، أو عندما يُغلب الولاءات المحلية على المبادئ السياسية. إذن، الظاهرة هي نتاج تراكمي لاختلالات حزبية وتشريعية وثقافية تتطلب إصلاحاً شاملاً يعيد الاعتبار للالتزام السياسي ويقوي ثقة المواطن في المؤسسات.

*باحث متخصص في العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *